ويخلوا له مكة ثلاثة أيام، فيطوف بالبيت ويفعل ما شاء، فلما كان العام المقبل تجهز رسول الله ﷺ وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا ألا تفي لهم قريش بذلك وأن يصدّوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم، وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام، فأنزل الله الآية …
والمعنى: وقاتلوا في سبيل الله - أي لغرض إعلاء كلمة الله - الذين يبدءُونكم بالقتال دفاعًا عن أنفسكم وحريتكم في أداء العبادة، ولا تعتدوا بقتل النساء والصبيان، والشيوخ المسنين، ومن ألقى إليكم السَّلام، وكف يده عنكم، فإن قتلتموهم فقد اعتديتم وتجاوزتم ما يحل لكم، إن الله لا يحب المعتدين، بل يبغضهم ويعاقبهم.
المعنى: واقتلوهم - غير معتدين حيث وجدتموهم: في حل أو حرم، وأخرجوهم من ديارهم، كما سبق أن فعلوا ذلك بكم، حيث أخرجوكم من دياركم، ولم يكتفوا بهذا، بل تناولوا من بقى منكم من المسلمين في مكة: بالتعذيب والتنكيل، ليرتدوا عن الإسلام.
﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾: أي بقاؤهم على الشرك، أشد قبحًا من قتلهم في الحرم والشهر الحرام، فلا تبالوا بقتالهم فيه. أو المعنى: والمحنة التي يفتن بها الإنسان: بالإخراج من الوطن والحرمان من المال، والتعرض لألوان القسوة والعذاب - للتأثير في العقيدة - أشد من القتل لاتصال تعذيبها، وتألم النفس بها.
ومن فتن بمثل هذه الفتنة، فمن حقه المشروع: أن يقابل العدوان بالعدوان.
﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾: على المسلمين أن يؤدوا مناسك دينهم ولا يقاتلونهم عند المسجد الحرام، فإذا اعتدى عليهم المشركون، واستباحوا البلد الحرام والشهر الحرام، فللمسلمين أن يصدوا هذا العدوان: بالدفاع عن حياتهم وعن عقيدتهم. والشر بالشر والباديء أَظلم. وليتحمل المشركون وِزْرَ ما انتهكوه من حرمات.