وسجود السحرة لرب العالمين - إن في ذلك كله - لآية عظيمة على قدرة الله ونصره لرسله، وخذلانه لأعدائهم، وتحذيرا من عاقبة الكفر بالله ورسوله.
﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾:
أي: وما كان أكثر قوم فرعون الذين أمر موسى ﵇ أن يأتيهم وهم القبط على ما استظهره أبو حيان حيث لم يؤمن منهم إلا القليل، ومنهم آسية امرأة فرعون، فلهذا استحق جنودهم الإغراق مع فرعون.
وقيل: ضمير ﴿أَكْثَرُهُمْ﴾ للموجودين بعد الإغراق والإنجاء من قوم فرعون الذين لم يخرجوا ومن بني إسرائيل، والمراد بالإيمان المنفى عنهم: التصديق اليقينى الجازم الذي لا يقبل الزوال أصلا، أي: وما كان أكثر الموجودين بعد تحقيق هذه الآية العظيمة وظهورها مصدِّقًا، فإن الباقين بمصر من القبط لم يؤمن أحد منهم، وأكثر بني إسرائيل كانوا غير متيقنين ولهذا عبدوا العجل وسألوا موسى بقرة يعبدونها وطلبوا رؤية الله جهرة ..... الخ.
وقيل: المراد بالضمير في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ قوم نبينا ﷺ أي: وما كان أكثر من دعاهم النبي محمد ﷺ إلى الإيمان - ما كان أكثرهم مؤمنين برسالته، بعد أن ساق لهم تلك القصص العجيبة التي لا سبيل له إلى العلم بها إلا عن طريق الوحى، وكان عليهم أن يعتبروا بها ويؤمنوا برسولهم الذي أخبرهم بها، وقد عرفوه بالصدق والأمانة، وأنه أُمِّي لا يقرأ ولا يكتب، واختار هذا الرأى الآلوسى لأن أول السورة وآخرها في الحديث عنه وتسليته ﷺ عما قالوه في القرآن العظيم، ونهيه صريحًا وإشارة عن أن يذهب بنفسه الشريفة عليهم حسرات، كل ذلك يقتضي رجوع الضمير إلى قومه ﵇ دون الرجوع إلى الأقرب لفظًا، ليكون الارتباط على هذا بين الآيات أقوى.
أي: وإن خالقك ومربيك وحده دون غيره هو الغالب على كل ما يريده من الأمور التي من جملتها الانتقام من الكفرة: ﴿الرَّحِيمُ﴾ المبالغ في الرحمة ولذلك يمهلهم ولا يعجل