وإِنما طلب سليمان ﵇ إحضار العرش قبل أن يأْتوه مسلمين ليريها القدرة التي مكن الله - تعالى - له فيها، والآيات التي أيده بها، فأراد أن يُغْرب عليها، ويريها بذلك بعض ما يخصه الله به من إجراء العجائب على يده.
وقيل: أراد ﵇ من إحضار العرش أن يختبر عقلها، ودقة إدراكها للأُمور فيعرضه عليها بعد أن يغير من معالمه، ويُبَدِّل في أَوضاعه، فيرى أتعرفه أم تنكره؟ وما قيل من أنه ﵇ أَراد أن يتملكه قبل أن يعصم الإِسلام أنفسهم، وأَموالهم، لا يناسب مقام النبوة، ولا يتواءَم مع موقفه من الهدية، والتحدث بنعمة الله - تعالى - عليه.
أي: قال خبيث مارد من الجن مجيبًا سليمان ﵇: أنا أحضره لك قبل أن ينفض مجلسك الذي تجلس فيه للقضاء من أول النهار إلى الظهر، كما قيل، أو قبْل أن تنهض من جلستك هذه التي تجلسها، وإني على إحضاره لك لقوى متمكن لا يثقلنى حمله، أمين لا أَختلس منه ولا أغير فيه.
أي: قال الذي عنده علم من الكتاب، بعد أن سمع مقالة العفريت، وكأنه رأى أن التوقيت الذي وقَّته بعيد بالنسبة لما يُحسُّه في نفس سلمان ﵇ قال: أنا آتيك به قبل أَن يرجع إليك بصرك الذي تمدّه في الفضاءِ لتنظر شيئًا بعيدًا أمامك.
والذي عنده علم من الكتاب قيل: هو آصف بن برخيا وزير سليمان، وقيل: الخضر ﵇ وقيل: جبريل ﵇ أو ملك أيده الله به.
وقال الجبائى: الذي عنده علم من الكتاب هو سليمان نفسه، وكان التعبير بهذا الأُسلوب للدلالة على شرف العلم، وأن هذه الكرامة كانت بسببه، ويكون الخطاب في قوله: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ﴾ للعفريت لأنه تصدى لدعوى القدرة على الإتيان به من بين الحاضرين، وإنما لم يأْت سليمان بالعرش ابتداءً، بل استفهم، ثم قال ما قال وأَتى به ليريهم أنه يتأَتى له ما لا يتهيأُ لعفاريت الجن، فضلًا عن غيرهم، وقد استظهر هذا القول لوجوه: