ومن البين أنه ليس فيما أشركوه به - تعالى - شائبة خير حتى يوازن بينه وبين من لا خير إلاَّ خيره، ومع علمهم بذلك فقد دفعهم الجهل المفرط إلى إيثاره هوى وعبئًا وإمعانًا في الخطأ والضلال.
عدد الله - سبحانه - بهذه الآية والآيات الأربع التالية الخيرات والمنافع التي هي آثار رحمته وفضله، وأشار بها إلى أدلة انفراده - سبحانه - بالخلق والرزق والتصرف والتدبير وبكل خواص الأُلوهية إبرازًا لكمال قدرته، حيث قال - سبحانه -: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ إضراب انتقاليٌّ عن سؤالهم سؤال تقرير عمن هو خير، أهو الله القادر أم آلهتهم المزعومة، إلى إثبات الخيرية لله وحده، أي: بل من قدر على خلق السموات والأرض خير من جماد لا يقدر على شيءٍ، ولا خير فيه أصلًا يرجع إلى إرادته.
﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾: خطاب للكفرة لتشديد التبكيت لهم والإلزام، أي: أنزل - سبحانه - لأجلكم من السماء نوعًا من الماء وهو المطر، جعل فيه حياتكم وحياة أرضكم وزروعكم ودوابكم، كما جعل ممَّا ينبت به ما يكون متاعًا لأنفسكم، وراحة لقلوبكم، وزينة لأَبصاركم فأَنبت به - بعظيم قدرته وعجيب صنعه - بساتين ذات حسن ورونق جميل يبتهج بها الناظر إليها، ويسر بمختلف ألوانها وأشكالها وروائحها، وطعومها، مع أنها تسقى بماءٍ واحد، مما لا يقدر عليه إلاَّ من تفرد بالخلق والإبداع جل وعلا، ويشير إلى ذلك قوله - تعالى -: ﴿مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا﴾ أي: ما أمكنكم، وما استطعتم - مهما بذلتم من جهد وأُوتيتم من فكر - إنبات شجرها، فضلا عن ثمرها، وسائر صفاتها، وإنما يقدر على ذلك الخالق الرازق المستقل بالملك المتفرد به دون سواه، والالتفات من الغيبة إلى التكلم في قوله: ﴿فَأَنْبَتْنَا﴾ لتأكيد اختصاص الفضل بذاته - تعالى - وعجز قوى البشر عن مثله.
﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾: أي أإله آخر مع الله في خواص الأُلوهية التي لا يقدر غيره عليها حتى يتوهم جعله شريكًا له في العبادة، وهذا تبكيت لهم على اتخاذهم آلهة عاجزة مع الله صاحب القوى والقَدَر التي لا تتناهى.