﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾: انتقال من تبكيتهم بطريق الخطاب إلى تبكيتهم بطريق الغيبة لبيان سوء حالهم وحكايته لغيرهم؛ ليعرف أنهم قوم عادتهم الانحراف عن الحق، والعدول عن الاستقامة في كل أمر من الأُمور، حتى كان من شأْنهم ترك التوحيد وهو الحق الواضح، والعكوف على الباطل الظاهر وهو الإشراك بالله سبحانه.
انتقال من تبكيت المشركين بآية من آيات قدرته إلى تبكيتهم بآية أُخرى من آياتها العظيمة حيث بسط الأرض وسواها؛ ليتسنى للإنسان والحيوان الاستقرار عليها، وارتياد أماكنها، وجعل خلالها وفي أوساطها أنهارًا جارية ينتفع كل بها كل قاطنيها في شئون حياتهم، وأقام عليها جبالًا ثوابت تمنعها من أن تضطرب بأَهلها، فيختل توازنها ويكون سببًا في فناءٍ من عليها، كما أن لتلك الجبال فوائدها العديدة ومنافعها الكثيرة.
وجعل - سبحانه - بقدرته مانعًا ببن الماء العذب والملح حتى لا يبغى أحدهما على الآخر.
قال ابن عباس: جعل بينهما سلطانًا من قدرته، فلا هذا يغيِّر ذاك، ولا ذاك يغيِّر هذا (١).
﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾: أي ليس هناك اله مع الله فهو المختص وحده بالإيجاد والإتقان لهذه البدائع التي أوجدها وهي من لوازم الأُلوهية التي لا يقدر عليها سواه.
وإذ ثبت أن ذلك ليس في مقدور آلهتهم، فلماذا يشركونها به في العبادة؟ وهي عاجزة لا تملك لنفسها نفعًا ولا خيرا؟ إنَّ صنيعهم هذا عناد وحماقة؛ لأن أكثرهم يجهلون الحق مع وضوح آباته، ولو علموه لتبين لهم بما لا يدع مجالًا للشك بطلان ما هم عليه من الشرك، أو أن أكثرهم لا يعلمون شيئًا من الأشياء معتًّدا به فهم لذلك لا يعلمون ما يتحتم عليهم معرفته من العلم الحق الذي يوجب عليهم إخلاص عبوديتهم له - سبحانه - وحده.
(١) راجع ما كتبناه تفصيلًا على ذلك في قوله - تعالى - في سورة الفرقان: "وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا" ٥٣.