للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومهدت له فيه مهدا، وجعلت ترضع ولدها فإذا دخل عليها أحد ممن تخافه جعلته في ذلك التابوت وسيرته في البحر وربطته بحبل عندها، فلما كان ذات يوم دخل عليها من تخافه فذهبت فوضعته في ذلك التابوت وأرسلته في البحر، وذهلت عن ربطه، فذهب مع الماء حتى مرَّ به على دار فرعون (١)، فكان من أمره ما قص الله - تعالى - بقوله:

٨ - {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}:

الفاء في قوله: {فَالْتَقَطَهُ} أفصحت عن جمل مقدرة تعرف من السياق، أي: فنفذت ما أُمرت به من إرضاعه ثم إلقائه في اليم عندما خافت عليه. والمراد من آل فرعون: أتباعه وجواريه، ومن التقاطه: أخذه، والتعبير عنه بالالتقاط للإيذان بأنهم أخذوه بإعزاز واهتمام كما يهتم باللقطة، قال ابن كثير في تصوير ذلك: فالتقطه الجوارى فاحتملنه فذهبن به إلى امرأة فرعون، ولا يدرين ما فيه، وخشين أن يفتحنه قبل أن تفتحه هي، فلما كشفت عنه إذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله وأبهاه، فأوقع الله محبته في قلبها حين نظرت إليه وذلك لسعادتها وما أراده الله من كرامتها، وشقاوة زوجها (٢).

واللام في قوله: {لِيَكُونَ} لام العاقبة، وليست لام التعليل؛ فإنهم التقطوه ليكون لهم قرة عين، لا ليكون لهم عدوًّا وحزنا، أي: فكانت عاقبة التقاطه أنه كان عدوا لهم ومصدر حزن، لا قرة عين ومصدر فرح وغبطة، حيث كان من أمره معهم ما قص الله.

ومن المفسرين من جعل اللام هنا للتعليل، على معنى أن الله قيَّضهم لالتقاطه، ليجعله لهم عدوا وحزنا، فيكون أبلغ في إبطال حذرهم وخوفهم ولهذا قال عقبه: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}.

ولفظ: {خَاطِئِينَ} إما من الخطيئة، وهي الإثم (٣)، وإما من الخطأ ضد الصواب (٤)، ويكون عن غير عمد.


(١) انتهى كلام ابن كثير مع تصرف سير.
(٢) ابن كثير مع تصرف قليل.
(٣) ويطلق عليه الخِطْء أيضًا - بكسر الخاء وسكون الطاء - وفعله: خَطِىء - بفتح فكسر - إذا تعمد الذنب.
(٤) وفعله: خطيء أيضًا في بعض لغات العرب، أو: هو اسم فاعل من أخطأ على غير قياس.

<<  <  ج: ص:  >  >>