لما أصبح موسى بدار فرعون وأحبته زوجته وطلبت منه الإبقاء على حياته قائلة: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ عرضوا عليه المراضع التي كانت لديهم، فلم يقبل منهن ثديا، فذلك قوله - تعالى -: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ .. ﴾ إلخ.
والمعنى: منع الله موسى أن يرضع ثدى امرأة قط - قال ابن عباس: لا يؤتى له بمرضع فيقبلها، وهذا تحريم منع لا تحريم شرع، قال امرؤ القيس:
وقد منعه الله - سبحانه - أن يرتضع ثدى امرأة غريبة، حتى يحدث ما أراده - سبحانه - من قبل حضور أخته التي كانت تتبعه.
قال ابن كثير: وذلك لكرامته عند الله وصيانته له أن يرتضع غير أمه، ولأن الله ﷾ جعل ذلك سببا لرجوعه إليها.
فاغتم آل فرعون لامتناعه عن الرضاعة وأهمَّهم ذلك وخافوا عليه التلف والهلاك.
وتلمّسوا له المراضع؛ فلما رأتهم أُخته حائرين فيمن يرضعه قالت: ألا أرشدكم إلى أسرة كريمة تكفله وتتعهده بالرضاع والتربية وتقوم برعايته، ولا تقصر في خدمته، وهم له حافظون ومخلصون في رعايتهم له، فلما قالت لهم ذلك طلبوا هذه المرضع، فلما حضرت دخلوا بها عليه، فأعطته ثديها فالتقمه، ففرحوا بذلك فرحا شديدا، واستدعت زوجة الملك أم موسى وأحسنت إليها وأعطتها عطاء جزيلا - وهي لا تعرف إنها أمه الحقيقية - وحين طلبت أم موسى أن تأخذ معها موسى لترضعه في بيتها أجابتها امرأة فرعون إلى ذلك، وأجرت عليها النفقة والإحسان الجزيل، وهكذا رجعت أم موسى بولدها إلى بيتها راضية مرضية قد أبدلها الله بعد خوفها آمنا في عز وجاه ورزق واسع، ولهذا جاء في الحديث:"مثل الذي يعمل ويحتسب في صُنعه الخير كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها".