بالنسبة إلى موسى في مسيره، فالمقصود بالجانب الأيمن: الجهة اليمنى، وجوزوا أن يكون الأيمن بمعنى المتصف باليُمن والبركة، وعلى هذا يجوز أن يكون وصفا للشاطئ أو الوادى، وقوله: ﴿فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ معناه: نودى من شاطئ الوادى الأيمن في هذه القطعة التي باركها الله بما خصها به من آياته وأنواره المشتملة على الشجرة النابتة فيها.
وقوله: ﴿أَنْ يَا مُوسَى﴾ تفسير للنداء، أو بيان لشأنه وحقيقته حسما لكل شك وقطعًا لكل تأويل، قال جعفر: أبصر نارا دلته على الأنوار؛ لأنه رأى النور في هيئة النار، فلما دنا منها شملته أنوار القدس، وأحاطت به أجواء الأنس فخوطب بألطف خطاب، واستدعى منه أحسن جواب فصار بذلك مكلما شريفا أعطى ما سأل، وأمن مما خاف. ومعنى: ﴿إنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾: إني أنا الله ربك الذي يخاطبك ويكلمك، ورب العالمين الفعال لما يشاء، لَا إله سواه، ولا رب غيره - تنزه وتعالى - عن المماثلة في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله فاسمع مني، ولا تك في شك مما يلقى إليك، وقد سمع موسى ﵇ على ما تدل عليه الآثار كلاما لفظيا خلقه الله في الشجرة - وقيل: خلقه في الهواء كذلك، وسمعه موسى من جهة الجانب الأيمن أو من جميع الجهات، وذهب الشيخ الأشعرى والإمام الغزالي إلى أن موسى ﵇ سمع كلامه النفسي القديم بلا صوت ولا حرف، كما ترى ذاته ﷿ يوم القيامة بلا كيف ولا كم.
وقال الحسن: إنه - سبحانه - نادى موسى ﵇ نداء الوحى لا نداء الكلام، ولم يرتض ذلك العلماء لما فيه من مخالفة الظاهر، وأنه لا يظهر عليه وجه اختصاصه باسم الكلم من بين الأنبياء.
ولفظ:(أنا) وإن كان كل واحد يشير به إلى نفسه فليس المعنى به محل لفظه.
هذا: وجاء في سورة طه في التعبير عن هذه القصة ﴿نُودِيَ يَا مُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾، وفي سورة النمل: ﴿نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ وما هنا غير ذلك، بل ما في كل غير ما في الآخر، فاستشكل ذلك، وأُجيب بأن المغايرة إنما هي في اللفظ، وأما في المعنى المراد فلا مغايرة والواقع أن ما في القرآن ترجمة عربية لما سمعه موسى، فتؤدَّي بأي عبارة تفهم أصل المعنى، وذهب الإِمام إلى أنه - تعالى - حكى في كل من هذه السور بعض ما اشتمل عليه النداء لما أن المطابقة بين ما في المواضع الثلاثة تحتاج إلى تكلف ما.