ومثل هذا يقال فيما تكرر ذكره من القصص في القرآن الكريم مع اختلاف التعبير فيه،؛ لأن كل سورة تعنى عند ذكر القصة بالجانب الذي تسوقها من أجله، والتعبير الذي يناسبه.
٣١ - ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ الآية.
هذه الآية معطوفة على قوله: ﴿أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ﴾ فهي من جملة ما نودى به، فقد ناداه أولًا بما يؤكد ألوهية الله وربوبيته - سبحانه - لموسى وللعالمين جميعا ليستيقظ انتباهه وتنقشع غفلته، وناداه ثانيًا بما يؤدى الغرض ويحقق المقصود من اصطفائه للرسالة بقوله: وألق العصا التي تحملها في يديك على الأرض تنقلب حية في سرعة حركتها، ثعبانا عظيمًا في ضخامة جثتها وضخامة فمها، آية لك.
وعن الحسن: ما كانت إلا عصا من الشجرة التي اعترضها اعتراضا، وعن الكلبي: كانت عصا من شجرة العوسج التي نودى منها موسى.
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ يفصح عن كلام محذوف تقديره: فألقى موسى العصا طاعة لأمر ربه فانقلبت حية في خفتها وسرعة حركتها. وثعبانا في ضخامة جثتها. وعظم حجمها، فلما أبصرها تهتز وتتحرك بهذه الخفة تملاسه الخوف واستبد به الرعب ففر منهزما. ولم يعقب على شيء ولم يرجع وراءه أو يلتفت خلفه من شدة خوفه، وعند ذلك نودى من قبل الله تعالى: ﴿إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾ من المخاوف لأنك رسول الله، وإنه لا يخاف لدى المرسلون.
٣٢ - ﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ … ﴾ الآية.
هذه الآية من جملة ما نودى به موسى. والمعنى: أَدخل يدك في فتحة ثوبك حيث يخرج الرأس، فإن فعلت تخرج بيضاء من غير مرض ولا عيب.
﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ في الكشاف: فيه معنيان:
(أحدهما): أن موسى ﵇ لما قلب الله - تعالى - العصا حية فزع واضطرب فاتقاها بيده، كما يفعل الخائف من الشيء، فقيل له: إن اتقاءك بيدك فيه غضاضة عند الأعداء، فإذا ألقيت العصا فانقلبت حية فأدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها، ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران: اجتناب ما هو غضاضة عليك، وإظهار معجزة أخرى، والمراد