للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: ما صحَّ وما استقام، أو ما كان في حكمه الماضي وقضائه السابق أن يُهْلِك القرى قبل الإنذار، بل كانت سنته ﷿ التي لا تتخلف ودستوره الذي لا يتغير ألَّا يهلكها حتى يبعث في أصلها وحاضرتها التي ترتجع تلك القرى إليها رسولًا يتلو عليهم آياتنا الناطقة بالحق ويدعوهم إليه بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد ويوضح لهم المنهج، وإنما أهلكهم بعد إلزامهم الحجَّة بإرسال الرسول كيلا يقولوا: ﴿لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ﴾ (١). وتحقيقًا لوعده الذي لا يتخلف: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ (٢).

﴿وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾: أي وما كنا مهلكى أهل القرى بعد ما بعثنا في أُمِّها رسولًا يدعوهم إلى الحق ويرشدهم إليه في حال من الأحوال إلا في حال كونهم ظالمين بتكذيب رسولنا والكفر بآياتنا، فاعتبروا - يا كفار مكة - بما حدث لمن كان قبلكم، وما يمكن أن ينزل بكم.

وإنما كان البعث في أُم القرى لأَن في أهل البلدة الكبيرة فطنة وكَيْسا، فهم أقبلُ للدعوة وأَشرف، وفي إيمانهم عون على إيمان غيرهم.

٦٠ - ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾:

بيَّن الله في الآيات السابقة فساد رأْى المشركين في رفضهم الإسلام خوفًا على أنفسهم بقولهم: ﴿إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ وجاءت هذه الآية لتبين حقارة الدنيا وما فيها من الزينة الدنيئة والزهرة الفانية بالنسبة إلى ما أعده الله لعباده الصالحين في الدار الآخرة من النعيم العظيم المقيم.


(١) سورة القصص من الآية: ٤٧
(٢) سورة الإسراء، الآية: ١٥