المتعاقبين، وبفضل الله ورحمته كان النظام الكونيّ يكفل تعاقب الليل والنهار فيكون السكون والهدوءُ في اللَّيل، والسعى والكدح في النَّهار وبهذا يتهيأُ التوقيت الصالح لحياة الإنسان والحيوان والنبات، وهذا فضل من الله على عباده، يستدعى الإقرار بقدرته ودوام شكره.
ومعنى الآية: أخبروني من يقدر على هذا؟ إن جعل الله عليكم الليل دائمًا متصلًا متتابعًا إلى يوم القيامة فأَصبح الكون ملفوفًا في ليل دامس لا يعقبه نهار، وظلام طامس لا يأتي بعده نور، أخبروني من إله غير الله يأتيكم بنور تبصرون فيه معايشكم وتنطلقون في أرجاء الأرض وأنحائها تعمرونها، فتزرعون وتتاجرون وتنتقلون من مكان إلى مكان، أفلا تسمعون هذا الكلام الحق سماع تدبر واستبصار وقبول للدلائل الباهرة، لتعرفوا أن غير الله - تعالى - لا يقدر على ذلك فتقوموا بشكره، وتعترفوا بفضله، وتُقِرُّوا بوحدانيته.
ثم أخبر ﷾ أنه لو جعل النهار دائما مستمرًا إلى يوم القيامة بحيث تعملون دائما دون انقطاع من إله غير الله يأتيكم بليل تستريحون فيه من التعب ومشاق الحياة وتفرغون فيه من النصب؟ أفلا تبصرون ما أنتم عليه من الخطإ في عبادة غيره؟
وقال الآلوسي: أفلا تبصرون الشواهد المنصوبة الدالة على القدرة الكاملة، لتقفوا على أن غير الله لا قدرة له على ذلك؟ فإذا أقررتم بأنه لا يقدر على الإتيان بالليل والنَّهار غيره فلم تشركون؟
وقال البيضاوى: لعله لم يصف الضياء بما يقابله لأن الضوءَ نعمة في ذاته مقصود بنفسه ولا كذلك الليل، ولأن منافع الضوء أكثر مما يقابله، ولذا قرن به أفلا تسمعون، وبالليل أفلا تبصرون لأن استفادة العقل من السمع أكثر من استفادته من البصر. اهـ: بيضاوي.
ولذا ما اجتمع السمع والبصر في موضع من كتاب الله إلاَّ وقُدِّم السمع على البصر.