مختلفة، فمنهم من فسره بالتكبر، فإنه كان جميل الصورة واسع الثراء، وكان أحفظ بني إسرائيل للتوراة، فتكبر عليهم لذلك، ومنهم من فسره بالظلم؛ لأن فرعون ملكه عليهم فظلمهم وبغي عليهم، والذي نراه أن لكنوزه دخلًا في ظلمه؛ لأن من نصحوه من قومه قالوا له: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ﴾ فهذا واضح في أن ماله أغراه بالإفساد والظلم، ولذا عقبه الله بقوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ … الآية﴾.
أي: وأعطيناه من كنوز الأَموال ما دفعه إلى التكبر والتعالى على قومه وظلمهم، فالمراد من الكنوز؛ الأموال المدخرة، ويصف الله عظمة هذه الكنوز بأَن مفاتحها تنوءُ بالعصبة أُولى القوة، والمراد من المفاتح الخزائن. قال الضحاك: مفاتحه: ظروفه وأوعيته، وروى نحو ذلك عن ابن عباس والحسن، وعلى هذا الرأى تكون مفاتح جمع مفْتَح - بفتح الميم وسكون الفاء - أي: مكان الفتح، وهو الوعاء.
ومنهم من قال: إنه جمع مِفتح - بكسر الميم وسكون الفاء - وهو المفتاح الذي تفتح به الخزانة، والأول أقرب إلى التعقل؛ فإن العُصبة أولى القوة تقْدر على حمل المفاتيح، ولا تنوءُ بها، وإنما تنوءُ بحمل الخزائن، والله أعلم.
والعصبة: الجماعة الكثيرة من غير تعيين بعدد خاص كما قاله الراغب، ومنهم من عين لمعناها عددا خاصًّا من عشرة إلى خمسة عشر، هو مروى عن مجاهد، ومنهم من زاد إلى سبعين.
وقال الخفاجي: إن أصل معناها: الجماعة مطلقًا - كما هو مقتضى الاشتقاق (١)، والعرف هو الذي يخص العدد، ومعنى (تفوءُ به العصبة أُولو القوة): تنهض به متثاقلة كما قال ابن عباس وأبو صالح والسُّدى وبه قال الخليل والفراءُ والنحاس.