هذه الآية مقررة لما جاء في الآية السابقة، من الوعد بإعادته إلى مكة التي أخرجوه منها ومؤَيدة لموقفه السلبي من دعوتهم إياه إلى العودة إلى ملة الشرك التي نشأُوا عليها، وتثبيت له عليه، قال مقاتل: دعا كفار مكة رسول الله ﷺ إلى دين آبائه فذكره الله - تعالى - نعمه، ونهاه عن مظاهرتهم على ما هم عليه.
والواقع أن الرسول الأمين لا يتصور منه أن يكون ظهيرا للكافرين في دينهم، فهو بعيد عنه منذ صباه، وكان يعبد الله على ما بقى من دين إبراهيم، فالغرض من نهي الرسول عن أن يكون ظهيرًا لهم، إنما هو إقناطهم من استجابته إليهم مهما اشتدت قسوتهم، ببيان أن الأمر صدر له بمخالفتهم ممن أنزل عليه الكتاب رحمة به وبهم، فلا تطمعوا في مخالفته ما كلفه به ربه.
ومعنى الآية: وما كنت تتوقع أن يختارك الله رسولًا، وأن يُنزل عليك كتابًا تبلغه قومك ومَنْ وراءَهم، ولكن رحمة من ربك بعباده وبك، اختارك وأنزل عليك الكتاب فلا تكونن في يوم من الأيام معينًا للكافرين - وأنت من الله بهذه المكانة والمنزلة المقتضية لنصرك عليهم - بل دم على ما أنت عليه من مخالفتهم والاستمرار في دعوتهم إلى الحق مهما لقيت في سبيله فلسوف يعيدك ربك إلى بلدك مظفرًا منصورا.
ولا يمنعنك قومك بإعراضهم وعدائهم عن تبليغ آيات الله بعد إذ أنزلها الله إليك، فلا تتأثر لمخالفتهم وصدهم الناس عنك، وإيذائهم لك ولأتباعك، فإن الله سيعلي كلمتك، ويؤيد دينك، ويظهر ما أُرسلت به على سائر الأَديان، ودم على ما أنت عليه من الدعوة إلى إلى ربك وحده لا شريك له، ولا تكونن من زمرة المشركين بعد أن دعوك إليهم، فهم أهل الضلال، وأنت رسول الهدى، وما يستوى الأعمى والبصير ولا الظلمات والنور.