والغرض من الآية: إقناط الكافرين من استجابة الرسول إليهم، كما تقدم في الآية السابقة، فإنه لا يتصور منه أن يكون من المشركين، قد اختاره رب العالمين، وكيف يتصور منه ذلك وهو الذي كان يقول:"والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يساري على أن أترك هذا الدين ما تركته أو أهْلِك دونه".
هذه الآية كالآيتين قبلها لمزيد تثبيت النبي ﷺ فيما هو مقيم عليه من الدعوة إلى توحيد الله، وقطع أطماع المشركين في استجابته إلى ما أرادوه منذ فجر الدعوة من تركه دعوة التوحيد وعودته إلى الوثنية دين الآباء والأجداد مهما بالغوا في إيذائه فاقرأ ما كتبناه عليهما قبلها، لتدرك مبلغ ترابطها.
ومعنى هذه الآية: والزم توحيد ربك الذي أنت مقيم على عبادته ولا تعبد مع الله إلها آخر. فإنه لا معبود بحق سواه، كل شيءٍ مصيره إلى الهلاك إلا ذاته - سبحانه - له القضاءُ النافذ في خلقه عابدين ومعبودين وسواهم، وإليه تُرجعون للحساب والجزاء، فكيف يُعبد سواه وقضاؤه نافذ في خلقه بالهلاك والفناء؟ قال ﷺ:"أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيءٍ ما خلا الله باطل".
واعلم أن المراد من الشيءِ: الموجود، ولهذا استدل بالآية على إطلاق لفظ شيءٍ على الله - تعالى - وكأنه قيل: كل موجود في أي وقت هالك إلا ذاته فلا يلحقه هلاك ﷾. وقال مجاهد والثوري في قوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ أي: إلاَّ ما أُريد به وجهه، وحكاه البخاري في صحيحه، والمقصود من هذا الرأى أن الأعمال الصالحة التي يراد بها وجه الله - تعالى - تبقى ببقاء ثوابها، حيث يجدها صاحبها نعيمًا مقيمًا في جنة الرحمن الرحيم.