والمعنى: أظَنَّ الناس تركهم غير مفتونين لمجرد إيمانهم أو نطقهم بالشهادتين دون أن يتعرضوا للفتن في دينهم، والامتحان بمشاق التكاليف من المهاجرة والمجاهدة، والصبر على فعل الطاعات، واحتمال أنواع المصائب في الأموال والأنفس والثمرات؛ ليتميز المخلص في إيمانه من المنافق، والراسخ في الدين من المتزلزل فيه، فيلاقى كل واحد جزاءَه بما يقتضيه عمله كما في قوله - تعالى -: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ (١).
رُوي أنها نزلت في أُناس من المسلمين الأَوائل كان المشركون من قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإِسلام، كسلمة بن هشام، وعياش بن ربيعة، والوليد بن الوليد، وعمار ابن ياسر، وأبيه ياسر، وأُمه سمية، وغيرهم. فكانت صدورهم تضيق لذلك، فنزلت هذه الآيات تسلية لهم وإعلامًا بأَن هذه هي سنة الله في خلقه اختبارا لهم وتمحيصًا.
وهذه الآيات وإن نزلت في هُؤلاء فهي باقية في أُمة محمَّد ﷺ أبد الدهر.
وقيل: نزلت في "مهجع" مولى عمر بن الخطاب أول من قُتِل من المسلمين يوم بدر، رماه عامر بن الحضرمي بسهم فقتله فجزع عليه أبواه، وامرأته، فقال النبي ﷺ:"سيد الشهداءِ مهجع، وأول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأُمة".
هذه الآية تتصل بالآية قبلها، توضح أن ابتلاء الأمم سنة قديمة مبنية على الحِكم البالغة، جارية بين الأُمم كلها فلا ينبغي أن يتوقع خلافها.
والمعنى: ولقد اختبرنا الأمم قبلكم، وابتليناهم بأنواع من البلاء، وضروب من الفتن والمحن أشد مما أصابكم، فمنهم من صبروا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا ومنهم من ارتدَّ عن دينه، وهؤُلاء وأولئك معلومون لله مجزيون على أعمالهم، كما قال سبحانه: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا .... ﴾ أي: فوالله ليعلمن الله الصادقين الذين