للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكما أن السؤال في الآية دلّ على أن القتال كان في الشهر الحرام، فالجواب قرر ذلك. ولكنه عذرهم، إذ بين أنه وإن كان القتال فيه عظيم الوزر ولكن وزر المشركين أكبر، كما سنبينه إن شاء الله تعالى.

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾:

السائلون هم المسلمون، فقد سألوا عن حكم القتال في الشهر الحرام، بعد ما علموا بما كان من سريَّة عبد الله بن جحش.

والمعنى: يسألك المسلمون عن القتال في الشهر الحرام: أهو جائز أم لا؟ ثم كان الجواب:

﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾:

أي القتال فيه عظيم الوزر كبير الإثم.

وقد أَثبت هذا الجواب حرمة القتال في الشهر الحرام، وأَن ما اعتقده أَهل الشرك من استحلال الرسول القتال فيه باطل.

أما ما وقع من عبد الله بن جحش وأَصحابه، وفقد كان اجتهادًا منهم، فقد رأَوا أن قتال المشركين فيه حلال، لأنهم أخرجوهم من ديارهم، وصدُّوا عن سبيل الله، وعن المسجد الحرام وعذبوهم وهم بمكة. ومن اجتهد وأَخطأَ، فله أجره، فكيف بمن اجتهد وأَصاب، حيث أَقَرَّ الله اجتهاده وعذره؟!

وإعادة لفظ القتال، للاهتمام بأَمر الحكم فيه. وتنكيره، للإيذان بأن أي قتال فيه مذموم وإنْ قلَّ، وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ (١) وقوله: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ (٢)، فالقتال في الشهر الحرام نسخت حرمته بما ذكر.


(١) البقرة: ١٩١
(٢) النساء:٨٩