المعنى: وإذا كان القتال في الشهر الحرام إثمًا كبيرًا، فإن الصَّدَّ عن دين الله، والكفر به، والصدَّ عن زيارة المسجد الحرام بمكة للعمرة، وإخراج أهله المسلمين منه - مجردين من أموالهم - كل هذا أكبر جريمةً، وأبشع إثمًا عند الله - سبحانهُ - من القتال في الشهر الحرام.
وقد فعل المشركون هذا كله.
فقد قاوموا الدعوة الإسلامية، وعبدوا الأوثان، ومنعوا المسلمين من أداء شعائر العبادة بالمسجد الحرام، وعذبوهم، وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم بمكة.
فأي إثم أكبر من هذا؟
ثم عطف على الحكم الجزئي السابق، حكمًا كليًا: يتناول ما تقدم، كما يتناول ما يماثله مستقبلًا، فقال تعالى:
﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾:
أي ما يُفتن به المسلمون ويُعذبون به، أكبر إثمًا عند الله من القتل. وقد بالغ المشركون في إيقاع الأذى بالمسلمين، لصرفهم عن دينهم فقد عذَّبوا ياسرًا والد عمَّار: كانوا يكوونه بالنار ليرتَدَّ عن الإسلام، حتى مات في العذاب.
وعَذَّب أَبو جهل، سُميَّةَ أُم عمار زوجة ياسر، تعذيبًا شديدًا، ثم طعنها بين فخذيها بحَرْبَةٍ طعنةً قضت عليها.
وأُوذِيَ عمَّار بن ياسر في الله، حتى حملوه على كلمة الكفر فقالها تقية وغفرها الله له. وكان أُمَيَّةُ بن خلف يُعَذِّبُ بلالًا، فيجيعه ويعطشه ويطرحه في الرمضاءِ، ويضع على صدره الصخر، ويكويه بالنار، ليرتد عن الإسلام.
وغيرهم كثير، بل لم يَسْلَمِ النبي ﷺ من إيذاءِ قومه. وأخيرًا تآمروا على قتله للقضاء على رسالته السماوية، فنجَّاه الله بالهجرة إلى المدينة.