والمعنى: ولو ترى حال منكري البعث يوم القيامة، أو حال كل مجرم باعتبار الجنس ومن جملتهم هؤلاء - لو ترى حالهم - لرأيت أمرا فظيعًا، وصورة عجيبة، حيث تراهم مطرقي الرءُوس من الندم والخزي والذل والغم عند محاسبة ربهم إياهم وجزائهم على أعمالهم، يقولون في ضراعة وإقرار بالتقصير: ربنا أبصرنا ما كنا نكذب به، وسمعنا ما كنا ننكره، فقد أبصرنا صدق وعيدك، وسمعنا قول الرسل سماع تصديق وإذعان، وحصل لنا الاستعداد لإدراك الآيات البصرة، والآيات السموعة، وكنا قَبلُ صمًّا عميًا لا ندرك شيئًا. أو يقولون: أبصرنا قبح أعمالنا التي كنا نراها في الدنيا حسنة، وسمعنا قول الملائكة: إن مَرَدَّكم إلى النار فارجعنا إلى الدنيا بعد أن أبصرنا وسمعنا لنتدارك ما فاتنا، ونعمل عملا صالحًا وفق ما ترشد إليه آياتك، لأننا الآن موقنون بالبعث والحساب، وزالت عنا الشكوك، يقولون ذلك ادعاءً منهم بصحة الأفئدة، والاقتدار على فهم معاني الآيات والعمل بما توجبه، وكانوا يسمعون ويبصرون في الدنيا ولا يتدبرون، ولكن أنَّى لهم أن يجابوا إلى تحقيق أملهم، وقد علم الله منهم أنهم كاذبون، وأنه لو أعادهم إلى الدنيا لعادوا كما كانوا كفارًا، كما قال - سبحانه -: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ (١).
أي: ولو تعلقت مشيئتنا تعلقا فعليًّا بأن نعطي كل نفس: برة أو فاجرة ما تهتدي به قهرًا في دنياها لفعلنا، ولكن حق القول مني أن أجازى كل امرئٍ على ما كسبت يداه باختياره، فلأملأنّ جهنم من كفار الجن والناس أجمعين بما كانوا يكسبون.
فبموجب ذلك القول لم نشأ إعطاء الهدى لكل نفس، بل منعناه من أتباع إبليس الذين أنتم من جملتهم، حيث صرفتم اختياركم إلى الغي والضلال بتزيين الشيطان وإغوائه، ومشيئتنا لأفعال العباد منوطة باختيارهم إياها المعلوم لنا أزلًا، فلما لم تختاروا الهدى