واخترتم الضلالة لم نشأ إعطاءه لكم، وإنما أعطيناه الذين اختاروه من النفوس البرة لنقاءِ نفوسهم، وكمال استعدادهم، وهم المعنيون بما سيأتي من قوله - تعالى -: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا … ﴾ الآية. وفي تخصيص الجن والإنس في قوله - سبحانه -: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ إشارة إلى أن الله عصم ملائكته من عمل يستوجبون به جهنم.
الأمر للتهديد والتوبيخ، وهو مرتب على ما يُعرب عنه ما قبله من نفي الرجع إلى الدنيا، أو على قوله - تعالى -: ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي … ﴾ الآية:
والمعنى: فذوقوا العذاب الدائم يا أهل النار بسبب نسيانكم لقاء هذا اليوم العظيم، وترككم التفكر فيه، والتزود له بما ينجيكم من شدائده وأهواله، والنسيان بهذا المعنى اختياري يوبخ عليه حيث أُريد به ترك الاستعداد له بالإيمان والعمل الصالح، ويعبر بالذوق كما يطرأُ على النفس وإن لم يكن مطعومًا لإحساسها به كإحساسها بذوق الطعام.
﴿إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾: استئناف، للإشعار بتشديد الانتقام منهم والسخط عليهم، أي: تركناكم في العذاب ترك الشيء المنسي بالكلية.
وقوله - سبحانه -: ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾: تكرير لتهديدهم بذوق المذاب للتأكيد والتشديد، وتعيين المفعول المطوي في الذوق الأول وهو "عذاب الخلد" الذي لا انقطاع له، والإشعار بأن سبب العذاب ليس مجرد ما ذكر من النسيان، بل له أسباب أُخر من فنون الكفر والمعاصي التي كانوا مستمرين عليها في الدنيا، ولما كان ختام الآية فيه زيادة عن صدرها حصلت بها مغايرته له استحق العطف عليه، ولم ينظم الكل في سلك واحد، للتنبيه على استقلال كل من النسيان وأعمالهم من فنون الكفر والمعاصي في استيجاب العذاب.