للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في سننه وغيرهم من طُرُقٍ عن أنس قال: لمَّا تزوج رسول الله زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، وإذا هو يتهيأُ كأَنه للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام، قام من قام وقعد ثلاثة نفر، فجاءَ النبي ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقت فجئت فأخبرت النبي أَنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فأُلْقِيَ الحجاب بيني وبينه، فأَنزل الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ … ﴾ الآية.

والمعنى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلَّا مدعوين إلى طعام غير منتظرين إدراكه ونضجه: وَلَكِنْ إذا دُعِيتُمْ وأُذِن لكم في الدخول فادخلوا، فإذا انتهيتم من طعامكم فتفرقوا وخففوا عن أهل البيت، وانتشروا لشئونكم، وهو خطاب لأُولئك المتحينين لوقت طعام رسول الله فالنهي في الآية لهم ولأمثالهم ممن يفعل فعلهم في المستقبل، فلا يفيد النهي عن الدخول بإذن لغير الطعام، ولا عن الجلوس والمكث بعد الطعام لهم آخر بموافقة من الرسول .

﴿وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ أَي: ولا تمكثوا مستأْنسين لحديث بعضكم بعضًا، كما وقع لأُولئك النفر الثلاثة الذين استرسل بهم الحديث، ونسوا أَنفسهم حتى شق ذلك على رسول الله ولذلك قال الله سبحانه: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾ أي: إن ذلكم اللبث الدال عليه الكلام، أو ما كانوا يفعلونه من الاستئناس، كان يسبب الإيذاءَ للنبي لتضييق البيت عليه وعلى أَهله، وصده عن الاشتغال بما يعنيه، فيستحيي من إخراجكم لشدة حيائه، ولما كان الحياءُ مِمَّا يمنع الحَيِيَّ من بعض الأفعال قال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾: بمعنى؛ لا يمتنع منه، ولا يتركه ترك الحيي منكم فلذا أمركم - سبحانه - بالخروج، فالمراد بالحق هنا إخراجهم، ووضع الحق موضعه لتعْظيم جانبه، وهذا أَدب أدَّب الله به الثقلاءَ (١)، والظاهر كما قال روح


(١) ومن هذا كان الثقيل مذموما عند الناس قبيح الفعل عند الأكياس، عن عائشة : حسبك في الثقلاء أن الله لم يحتملهم فقال: ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾.