﴿وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾: جمع قدر؛ وهو ما يطبخ فيه من فخار وغيره على شكل مخصوص، وراسيات معناها ثابتات على الأَثافي لا تنزل عنها لعظمها، وصف القدور بثابتات بعد تشبيه الجفان بالجوابي يجمع إلى تحقيق التناسب حسن الاتساق، كما أَن تقديم الجفان وهي من أواني الأَكل على القدور مع أنها من أدوات الطبخ المقدم على الأكل يشير إلى أن هذه الأواني معدة للطعام وأن السماط الذي كاتت تستعمل فيه عظيمًا.
وقوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ معناه: اعملوا يا آل داود من الطاعات، والأَعمال الصالحات ما تؤَدون به شكر الله على عظيم نعمه وجليل آلائه، أو اشكروا يا آل داود شكرًا على هذه النعم.
روى ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: لما قيل لهم: اعملوا آل داود شكرا لم يأت ساعة على القوم إلا ومنهم قائم يصلي. وجاءَ في رواية ابن أبي حاتم عن الفضيل أَنه ﵇ قال: يا رب كيف أَشكرك، والشكر نعمة منك؟ قال سبحانه: الآن شكرتني حين علمت النعم منّي.
﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ أي: وقليل من عبادي المتوفر على أَداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه، قال ابن عباس في تعريف الشكور: هو الذي يشكر على أَحواله كلها، وفي الكشاف: هو المتوفر على أَداء الشكر الباذل وسعه فيه، وقد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعترافًا واعتقادًا وكدحًا، وأَكثر أَوقاته، وقيل: من يرى عجزه عن الشكر؛ لأَن توفيقه للشكر نعمة تستدعى شكرًا آخر لا إلى نهاية.
وقد نظم بعضهم هذا فقال:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة … عليَّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله … وإن طالت الأَيام واتسع العمر
وهذه الجملة في ختام الآية يحتمل أن تكون من بقية خطاب آل داود داخلة فيه، ويحتمل أن تكون جملة مستقلة جيءَ بها إخبارًا لنبينا ﵊ تنبيهًا وتحريضًا على الشكر.