يخبر الله - تعالى - عن تمادى الكفار في طغيانهم وعنادهم وإصرارهم على عدم الإِيمان بالنبي وبالقرآن، وبما أخبر به من أمر المعاد، وعدم الإِيمان بالذي سبقه من كتب الله التي نزلت على الأنبياء السابقين تتحدث عن عبادته وحده، وعن المعاد والثواب والعقاب، يروى أن كفار مكة سألوا أهل الكتاب فأخبروهم أنهم يجدون صفة رسول الله ﷺ في كتبهم، فأغضبهم ذلك وقرنوا بالقرآن جميع ما تقدمه من كتب الله ﷿ فكفروا بها جميعًا.
وقيل: الذي بين يديه هو يوم القيامة، أي: أنهم كفروا بالقرآن وبما جاء به من البعث والجزاء، ثم أخبر عن عاقبة أمرهم ومآلهم في الآخرة فقال لرسوله، أو لكل مخاطب: ولو ترى في الآخرة مواقفهم الذليلة بين يديه في حال تخاصمهم وتحاجّهم وهم يتحاورون ويتراجعون القول بينهم باللوم والعتاب، بعد أن كانوا في الدنيا أخلاء متناصرين، وجواب (لو) مقدر، أي: لرأيت أمرًا هائلا فظيعًا مخيفًا، ثم ذكر ما يرجعونه من القول فقال: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾: استئناف لبيان تلك المحاورة، أي: يقول المستضعفون من الأتباع للمستكبرين من الرؤساء والقادة الذين اتبعوهم في الغي والضلال: لولا أنتم صددتمونا عن الهدى ومنعتمونا من الإِيمان، وحُلْتُم بيننا وبين الحق لكنا اتبعنا الرسول، وآمنا بما جاء به فنجونا من العقاب.
استئناف بياني، كأنه قيل: فماذا قال الذين استكبروا حين اعترض عليهم الأتباع ووبخوهم؟ فقيل من جهتهم: أنحن صددناكم عن الهدى … إلخ، أي: لسنا نحن الذين حُلْنا بينكم وبين الإِيمان وصددناكم عنه، ومنعناكم منه بعد إذ صممتم على الدخول فيه وصحت نياتكم في اختياره، بل أنتم منعتم أنفسكم حظها، وآثرتم الضلال على الهدى، وأطعتم آمِرَ الهوى دون آمر الهُدى، فكنتم مجرمين مشركين مصرين على الكفر باختياركم لا لقولنا وتسويلنا، ونحن ما فعلنا بكم أكثرُ من أنَّا دعوناكم فاتبعتمونا من غير دليل