لما أنكر المستكبرون بقولهم: ﴿أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ … ﴾ إلخ أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين وردوا عليهم بقولهم: "بل أنتُم مجرمون" يريدون أن ذلك بكسبهم واختيارهم - لما أنكروا وقالوا ذلك - رد عليهم المستضعفون بقولهم: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾: كأنهم قالوا: ما كان الإجرام من جهتنا بل من جهتكم؛ لأن الذي صدنا عن الهدى وصرفنا عن الحق خديعتكم ووسوستكم لنا في الليل والنهار، واحتيالكم علينا حين كنتم تطلبون منا أن نكفر بالله ونجعل له شركاء ونظراء في العبادة، وزينتم لنا الشرك وحسنتم لنا الكفر وخدعتمونا بأننا كل هدى، فإذا جميع ذلك خداع وكذب وباطل. ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ أي: وأضمر الظالمون من الفريقين: - المستكبرين والمستضعفين - الندامة على ما كان منهم في الدنيا من الضلال والإضلال الذي جانب المستكبرين، ومن الضلال والانقياد إلى المضلين في جانب المستضعفين حينما رأوا العذاب وشاهدوه؛ لأنهم بهتوا لما عاينوه فلم يقدروا على النطق، واشتغلوا عن إظهار الندامة بهول العذاب، أو لأنهم علموا أن لا فائدة من إظهارها، وقال الزمخشري وغيره: أسروا الندامة بمعنى أظهروها، فإن ﴿أَسَرَّ﴾ من الأضداد؛ إذ الهمزة تصلح للإثبات والسلب، فمعنى أسرَّهُ: جعله سرا، أو: أزال سره، ﴿وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: أي: وجعلنا السلاسل التي تجمع أيدي الكفار في أعناق الكافرين، والمراد بالكفار: المتكبرون والمستضعفون جميعًا، والأصل (في أعناقهم) إلا أنه أظهر كفرهم للتنويه بذمهم، والتنبيه على موجب تلك الأغلال. ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي: ما يستحق هؤلاء جميعًا إلا جزاء ما كانوا يعملون من الشرور والآثام في الدنيا.