ما قلت. وكذلك قال هرقل لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل:"سألتك: أضعفاءُ الناس اتبعوه أم شرفاؤهم؟ فزعمت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل" اهـ: ابن كثير ج ٣ ص ٥٤٠ وقال ﵎ إخبارا عن المترفين المكذبين:
هذه الآية تحكى ما أجاب به المترفون رسلهم حين دعوهم إلى الحق.
والمعنى: وقال المترفون لرسلهم متباهين: نحن فُضِّلْنَا عليكم بالأموال والأولاد في نعمة لا تشوبها نقمة، وهو دليل كرامتنا على الله ﷿ ورضاه عنا، فلو كان ما نحن فيه من الشرك وغيره مما تدعوننا إلى تركه مخالفا لرضا الله لما كنا فيما كنا فيه من النعمة، وهكذا قاسوا أمورَ الآخرة على أُمور الدنيا، وزعموا أن المنعم عليه في الدنيا منعمٌ عليه في الآخرة، وأنهم لو لم يكونوا كرماء على الله لما وسع عليهم، ولولا أن المؤمنين هانوا عنده لما حرمهم فعلى قياسهم ذلك قالوا: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾: أرادوا أنهم أكرمُ على الله من أن يعذبهم نظرا إلى أحوالهم في الدنيا، وهيهات لهم ذلك: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ (١).
قل - أيها النبي - لمن يزعم أن الغنى واليسار وكثرة المال والعيال دليل الكرامة والرضا - قل لهم - ردا عليهم، وحسما لمادة طمعهم الكاذب، وتحقيقًا للحق الذي يدور عليه أمر الكون: إن ربي ومالك أَمري يوسع الرزق لمن يشاء أن يوسع له، ويضيق على من يشاة أن يضيق عليه، فربما يوسع - سبحانه - على العاصى، ويضيق على المطيع، وربما يعكس الأمر، وربما يوسع عليهما معا، وقد يضيق عليهما معًا، وقد يوسِّع على شخص مطيع أو عاصٍ تارةً، ويضيّق عليه أُخرى، يفعل ذلك حسبما تقتضيه مشيئته ﷿ المبنية على الحكمة التامة والحجة القاطعة، فلو كان البسط دليل الإكرام والرضا، لاختص به المطيع، وكذلك لو كان التضييق دليل الإهانة والسخط، لاختص به العاصى،