والمراد: منع كون ذلك دليلًا على ما زعموا، لاستواء المعادى والموالى فيه. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾: ذلك لأنهم لا يتأملون، فمنهم من يزعم أن مدار البسط: الشرف والكرامة. ومدارُ التضييق: الهوان والحقارة كهؤلاء المترفين المكذبين، وهم لا يدرون أن الأول كثيرًا ما يكون للاستدراج، والثاني قد يكون للابتلاء ورفع الدرجات، ومنهم من تحير واعترض على الله - تعالى - في البسط على أُناس. والتضييق على آخرين حتى قال قائلهم:
كم عاقلٍ عاقلٍ أعْيَت مذاهبهُ … وجاهلٍ جاهلٍ تَلْقَاهُ مرزرقًا
هذا الذي ترك الأفهام حائرةً … وصَيَّرَ العالم النِّحْريرَ زِندِيقًا
ولعمري إن العالم النحرير العارف هو الذي يقول:
ومن الدليل على القضاء وحكمه … بؤسُ اللبيبِ وطيبُ عيشِ الأحمقِ
المعنى: وليست هذه الأموال والأولاد دليلًا على محبتنا لكم، ولا اعتنائنا بكم، وليست أموالكم ولا أولادكم بالخصْلة أو المزَّية التي تقربكم عندنا قربة، لكن من آمن وعمل صالحًا. فإيمانه وعمله يقربانه منا، فأُولئك لهم الثواب المضاعف، فيجزون على الحسنة بعشر أمثالها أو بأكثر إلى سبعمائة ضعف، وهم في غرفات الجنة ومنازلها العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى وحرمان، ومن كل شيءٍ يحذر منه، روى مسلم عن رسول الله ﷺ بسنده قال:"إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"(١).