﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾: الفاءُ للتفصيل، أَي: ظالم لها بالتقصير وهو المرجأُ لأَمر الله.
﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾: يتردد بين العمل بالقرآن ومخالفته.
﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أَي: مقبل عليها، حريص على تحصيلها قبل غيره، بعلم الله وتوفيقه.
وفي قوله: ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ تنبيه على عزة منال هذه الرتبة وصعوبة مأْخذها.
وخلاصة القول إن الظالم لنفسه: مَن رجحت سيئاته على حسناته، والمقتصد: مَن استوت سيئاته وحسناته، والسابق: مَن سبقت حسناته على سيئاته - كما تقدم في المفردات - وكلهم من أهل الجنة مآلًا بعد عفو الله، وقد روى عن عمر ﵁ قال - وهو على المنبر -: قال رسول الله ﷺ: "سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له"، وسئل أبو يوسف ﵀ عن هذه الآية فقال: كلهم مؤمنون، وأمَّا الكافرون فصفتهم بعد هذا، وهو قوله - تعالى -: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ﴾ وكون الطبقات الثلاث من أَهل الإِيمان هو ما عليه الجمهور.
وإنما قدم الظالم للإيذان بكثرة أَفراده، وأَن المقتصدين قليل بالنظر إليهم، والسابقين أقل من القليل، وقيل: قدم الظالم لئلا ييأَس من رحمة الله، وأَخر السابق لئلا يعجب بعمله، فتعين توسيط المقتصد.
﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾. أَي: ما تقدم من توريث الكتاب، والاصطفاء، هو الفضل الذي لا يعادله فضل في سموه، وعلو منزلته عند الله. وقيل: الإشارة إلى السبق في الخيرات، وهو الفضل الذي لا ينال إلاَّ بتوفيق الله وتأييده.