والسابق؛ لأَن الدخول ميراث، والميراث يستحقه العاق والبار إذا كان نسبهم صحيحًا، وهؤلاء قد صح نسبهم إلى الإِسلام بالإيمان، غير أن الظالم يحبس يوم القيامة ويُردع ويقرع ثم يدخل هؤلاء جميعًا الجنة، يحلون فيها بعض أَساور هن ذهب، ويحلون لؤلؤا كذلك.
﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ أَي: حرير محض، وتغيير الأُسلوب حيث لم يقل: ويلبسون فيها حريرا، للإِيذان بأَن ثبوت اللباس لهم أَمر محقق غنى عن البيان، إذ لا يمكن عراؤهم عنه، وإنما المحتاج إلى البيان ماذا يلبسون؟ بخلاف الأَساور واللؤْلؤ فإنها ليست من اللوازم الضرورية، فجعل بيان تحليتهم بها مقصودًا بالذات، ولعل هذا هو الباعث على تقديم التحلية على بيان صفة اللباس، وهذا الحرير محظور عليهم في الدنيا، فكان لهم في الآخرة، ثبت في الصحيح أن رسول الله ﷺ قال:"من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وقال: هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة".
المعنى: ويقول الذين ظلموا أنفسهم بعمل ما يؤاخذون به - بعد أَن يتلقاهم الله برحمته -: الحمد لله الذي أذهب عنا جنس الحزن المنتظم لجميع أَحزان الدين والدنيا والآخرة إن ربنا يغفر الجنايات وإن كثرت، شكور بقبول الطاعات وإن قلت.
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال في ذلك:"غفر لنا العظيم من ذنوبنا، وشكر القليل من أَعمالنا".
هذا من تتمة كلام الذين حمدوا الله وأثنوا عليه، أَي يقولون: الحمد لله الذي أَعطانا دار الإِقامة في الجنة التي لا انتقال بعدها من فضله ومنته وكرمه، فإن العمل وإن كان سببًا لدخول الجنة في الجملة، لكن سببيته بفضل الله، إذ ليس هناك استحقاق ذاتي، ومن علم أَن العمل متناه زائل، وثواب الله دائم لا يزول لم يشك في أَن الله ما أَحل من أَحل دار الإِقامة إلَّا بمحض فضله - سبحانه - كما ثبت في الصحيح أن رسول الله ﷺ قال:"لن يدخل أحدًا منكم عملُه الجنةَ. قالوا: ولا أَنت يا رسول الله؟ قال: ولا أَنا إلاَّ أَن يتغمدَنى اللهُ برحمةٍ منه وفضل".