في طهرها، وأخرجا ماءَهما عند اللقاء، وأراد الله الحمل، لقحت بويضة المرأَة بحيوان من مني الرجل في قناة واصلة من مبيضها إلى الرحم، يسميها الطب الحديث "القناة الفالوبية" نسبة إلى مكتشفها، ثم تنحدر البويضة بعد تلقيحها بأَربعة أيام إلى الرحم بعد انقسامها إلى عديد من الخلايا، فتستقر في قرار مكين من جدار الرحم حيث تتطور إلى إنسان سوي، فتبارك الله أحسن الخالقين. (انظر تفصيل ذلك في مثله في صدر سورتي الحج والمؤمنون).
وسبب نزول هذه الآية على ما أخرجه جماعة عن ابن عباس قال:"جاءَ العاص بن وائل إلى رسول الله ﷺ بعظم حائل، ففتَّه بيده فقال: يا محمد أيجمع الله هذا بعد ما رمَّ؟ قال: نعم يبعث الله هذا ثم يميتك ثم يتحييك ثم يدخلك نار جهنم"، فنزلت الآيات: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ .... ﴾ إلى آخر السورة.
والقصة متفقة في جميع الروايات، وإن اختلفت فيمن خاصم الرسول، فعن مجاهد، والسدي، وعكرمة وغيرهم أنه أُبيّ بن خلف الذي قتله الرسول في أُحد بحربة، وقيل: هو أبو جهل، وقيل: غيرهما.
هذه الآية معطوفة على الجملة المنفية في الآية قبلها، أي: أولم ير الإنسان أنَّا خلقناه من نطفة، ففاجأ بالخصومة وضرب لنا مثلًا.
والمعنى: وجعل لله نظيرا من الخلق، إذ قاس قدرته على قدرتهم، فنفى قدرته على أن يبعث الخلائق، ونسى خلق الله له من نطفة، إذ قال - وهو يضرب المثل لله بطريق الإنكار والنفي العام -: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾؟ أي: شديدة البلى، يريد أنه لا يستطيع أحد أن يحييها، فأدرج المولى مع الخلائق في هذا النفي العام، وبهذا سواه بالخلائق في العجز عن إعادة الحياة للعظم الرميم وجعله مثلهم، فهذا هو معنى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا﴾.
ومن العلماء من فسر المثل بالأمر الغريب، والمعنى عليه: وأورد في شأننا أمرًا غريبًا يشبه المثل في غرابته، وهو إنكار إحيائنا للعظم الرميم، والمعنى السابق أظهر.