أمر من الله لرسوله أن يجيب على سؤال هذا المعاند، مرشدًا إلى سبيل معرفة الحق. والمعنى: قل له أيها الرسول: يحيي هذه العظام بعد أن تبلى أشد البلى - يحييها - الذي أبدعها أول مرة ورباها، وذلك بأن يحيي الجسد كله والعظام في جملته، فتجرى فيها الحياة لجريانها فيه، وتصبح صلبة مترابطة، بعد أن كانت هشة متفتتة، وذلك أيسر في القياس من بدء خلقها، فذلك من القياس الأولوي، وكان الفارابي يقول: وددت لو أن أرسطو وقف على القياس الجلي في قوله - تعالى -: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (وهو الله تعالى، أنشأ العظام وأحياها أول مرة، وكل من أنشأ شيئًا أولا قادر على إنشائه وإحيائه ثانيًا، فيلزم أن الله ﷿ قادر على إنشائها وإحيائها بقواها ثانيًا). إ هـ.
﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾: وهو بكل مخلوق واسع العلم، ولهذا يعلم من كل إنسان صفاته التي كان عليها في الدنيا، وتفاصيل أجزائه وأوضاعها بعضها من بعض، فيعيد كل ذلك على النمط الذي كان عليه، على حد قوله - تعالى -: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ (١).
المراد من الشجر الأخضر على المشهور نوعان:(أحدهما) المرخُ، (والثاني) العَفَار (بفتح العين)، وإخراج النار منهما على ما قاله العلامة أبو السعود: بأن تقطع منهما عُصيَّتَين مثل السواكين، وهما خضراوان، يقطر منهما الماء، فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهو أُنثى، فتقدح النار بإذن الله - تعالى - وقيل: المراد من الشجر العموم، لصلاحية كل الأشجار للاتقاد، وفي المثَل: في كل شجرة نار، واستمجد المرخ والعفار، أي: استكثرا من النار، من مجدت الإبل إذا وقعت في مرعى واسع كثير، وإرادة المرخ والعفار أَنسب بالمقام، ويقول صاحب المختار: واستمجد المرخ والعفار، أي: استكثرا منها كأنهما أخذا من النار ما هو حسبهما، ويقال: لأنهما يسرعان الوَرْىَ، فشُبِّهَا بمن يُكْثِر العطاء طلبًا للمجد.
وأجاز بعضهم - جمعًا بين الرأيين - أن يكون المعنى: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا بالفعل بقدح المرخ بالعفار، فإذا أنتم من الشجر الأخضر المذكور توقدون النار في سواه.