المعنى: فلما استسلم إِبراهيم وولده لقضاءِ الله وانْقَادَا لإِنفاذ أَمره، وأَخلصا أَنفسهما له وفوضا أَمرهما إِليه أضجع إبراهيم ولده على شقه فوقع جبينه على الأَرض، وهو أَحد جانبي الجبهة، أَو: كبّه على وجهه بإِشارة الولد كي لا يرى منه ما يورث رقة تحول بينه وبين تنفيذ أَمر الله، وأَسلم الولد نفسه للذبح راضيًا بقضاءِ الله، صابرا محتسبا نفسه عند الله - لما فعلا ذلك - في صدق، وإخلاص أدركتهما رحمة الله ووافاهما النداء من قبل الله: يا إِبراهيم، قد صدقت الرؤْيا بالعزم على تنفيذ ما رأَيت في منامك وترتيب مقدماته، وإعداد مقتضياته، إنا كذلك نجزي المحسنين الذين ينزلون على قضاء الله، ولا يؤثرون شيئًا على طاعته وتحصيل رضاه.
وهذا التذييل تعليل لتفريج تلك الكربة عنهما بإحسانهما، وصدق عزمهما.
قال الآلوسي: أَخرج غير واحد أَنه قال لأَبيه: لا تذبحني وأَنت تنظر إِلى وجهي عسى أَن ترحمني فلا تجهز عليّ. اربط يديّ إلى رقبتي، ثم ضع وجهي للأَرض.
وفي الآثار حكاية أقوال كثيرة غير ذلك، وكل هذه الأَقوال تدور حول امتثال الغلام لأَمر الله، وإِذعانه لقضائه.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾ تعقيب يجسد عظم البلاء، وقسوته، والمعنى: إِن هذا الأَمر الذي ابتلينا به إبراهيم وهذا الاختبار الذي سبرنا به غور إِيمانه وعمق يقينه، وتمحيص نبوته لهو الاختيار المتناهي في وضوح شدته، الذي يتميز فيه المخلصون، أَو لهو المحنة البينة الصعوبة البالغة أَقصى غايات القسوة والمرارة، إذ لا شيء أَصعب ولا أَقسى من أَن يذبح الإِنسان ولده بيده.
١٠٧ - ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾:
كان حديث الآيات السابقة عن عظم البلاء تنويهًا بعظم الفداء، وترشيحًا لجلال قدره ليقع قوله - تعالى -: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ موقعه من قوة التصور، وسموّ التفخيم.