للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمراد بالتسبيح: مطلق الذكر كما حمله بعضهم، وحمله بعض آخر على العبادة، وقال آخرون: إن التسبيح هو ما ذكره الله - تعالى - في قوله: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (١).

وذهب جماعة منهم ابن عباس إِلى حمله على الصلاة، بل رُوى عنه أَنه قال: "كل ما في القرآن من التسبيح فهو بمعنى الصلاة".

وفي النص الكريم حثٌّ على إِكثار الذكر، ومداومة التسبيح، وتعظيم لشأْنه، وتنبيه إلى أَن من أَقبل على الله في السراء، أَخذ بيده عند الضراء.

أَخرج ابن أَبي شيبة عن الضحاك بن قيس قال: "اذكروا الله تعالى في الرخاءِ يذكركم في الشدة فإِن يونس كان عبدًا صالحًا ذاكرًا لله - تعالى - فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ … ﴾ الآية وإِن فرعون كان عبدًا طاغيًا ناسيًا لذكر الله - تعالى - فلما أَدركه الغرق قال: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ فقيل له: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ (٢).

وكما اختلف المفسرون في كنه التسبيح اختلفوا في مقدار المكث، فقيل: أَربعون يومًا، وقيل: عشرون، وقيل: سبعة، وقيل: ثلاثة، وقيل: لم يلبث إلاَّ قليلًا ثم أُخرج من بطنه عقب الوقت الذي التُقم فيه.

روى عطاء أَنه حين ابتلع الحوت يونس أَوحى الله - تعالى - إلى الحوت: "إني جعلت بطنك له سجنًا ولم أَجعله لك طعامًا".

والمراد من الوحي إِلى الحوت إِلهامه، وحبس جهازه الهضمي عن هضمه، والله أَعلم.


(١) من الآية ٨٧ من سورة الأنبياء.
(٢) الآية ٩٠، ٩١ من سورة يونس.