حكاية لأَباطيلهم المتفرعة على ما حكى من استكبارهم وشقاقهم، أَي: عجب مشركو مكَّةَ من أَنْ جاءَهم رسول بشر من جنسهم أُميّ من نوعهم، والمراد: أَنهم عدُّوا ذلك أَمرا عجيبًا خارجًا عن احتمال الوقوع، وأَنكروه أشد الإِنكار، لا أنهم اعتقدوا وقوعه وتعجبوا منه، وأعجب العجب أَن ينكروا أن يكون الرسول من البشر، ولا ينكروا أَن يكون الإله المعبود لهم من الحجر.
وقال الكافرون: هذا ساحر يجيءُ بالكلام المموه الذي يخدع به الناس، شديد الكذب فيما يسنده إلى الله ﷿ من الإرسال والإنزال، وهل ترى كفرًا أَعظم، وجهلا أبلغ من أن يسمُّوا من صدَّقه الله بوحيه، وأَيَّده بالمعجزة الدالة على صدقه ساحرًا كذابا.
وقوله - تعالى -: ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ﴾ فيه وضع الظَّاهر موضع الضمير غضبًا عليهم وذمًّا لهم، وإِيذانًا بأنه لا يتجاسر على مثل ما يقولون إلاَّ المتوغِّلون في الكفر.
أَي: أَزعم أَن المعبود واحد لا إله إلا هو، أنكر المشركون ذلك - قبحهم الله تعالى - وتعجَّبوا من ترك الشرك بالله لأنهم كانوا قد تلقَّوا عن آبائهم حُبَّ عبادة الأَوثان، وأشربته قلوبهم، فلما دعاهم الرسول ﷺ إلى خلع ذلك من قلوبهم وإِفراد الإله بالوحدانية. أَعظموا ذلك، وتعجَّبوا غاية العجب وأَشده، وقالوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾.
وقيل: مدار تعجبهم عدم وفاءِ علم الإِله الواحد قدرته بالأَشياءِ الكثيرة الموجودة في هذا الكون الكبير، أَخرج الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا: إنَّ ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويقول ويقول، فلو بعثت إليه فنهيته، فبعث إِليه فجاء النبي ﷺ فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس فخشي أبو جهل إن جلس إلى أبي طالب أن يكون أَرقَّ عليه فجلس في ذلك المجلس فلم يجد رسول الله ﷺ مجلسًا قرب عمه فجلس عند الباب، فقال له أبو طالب: أَي ابن أخي ما بال قومك يشكونك؟ يزعمون أَنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول، قال: وأَكثروا عليه القول، وتكلم رسول الله ﷺ فقال: