يا عم، إِنى أُريدهم على كلمة واحدة يقولونها يدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية ففرحوا لكلمته ولقوله، فقال القوم: ما هي؟ وأَبيك لَنُعْطِينَّها وعشرا، قال: لَا إله إلاَّ الله. فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون: أَجعل الآلهة إِلها واحدًا إن هذا لشيءٌ عجاب، وفي رواية: أَنهم قالوا: سلْنا غير هذا. فقال ﵊: لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سأَلتكم غيرها، فغضبوا وقاموا غِضابًا وقالوا: والله لنشتمنك وإلهك الذي يأْمرك بهذا.
أَي: وانطلق الأشراف من قريش من مجلس أبي طالب بعد ما قاله لهم رسول الله ﷺ وشاهدوا صموده في تبليغ الرسالة، ونشر عقيدة التوحيد ويئسوا مما كانوا يرجونه منه ﵇ وكان فيهم: أبو جهل، والعاص بن وائل، والأَسود بن عبد المطلب ابن عبد يغوث، وعقبة بن أبي مُعيط يوصي بعضهم بعضًا - انطلقوا - وهم يتحاورون ويتفاوضون - أن سيروا على طريقتكم، وداوموا على مسيرتكم، واثبتوا على عبادة آلهتكم متحمِّلين لما تسمعونه في حقِّها من القدح.
والإشارة في ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ إلى ما وقع وشاهدوه من أَمر النبي ﷺ وشدة تمسُّكه بعقيدته من التوحيد، ونفى ألوهية آلهتهم، أَي: إِنَّ هذا لشئ يراد من جهته، إمضاؤه وتنفيذه لا محالة من غير صارف يلويه، ولا عاطف يثنيه، لا قول يُقَال من طرف اللسان أو أَمر يُرجَى فيه المسامحة بشفاعة إنسان، فاقطوا أطماعكم بنزوله على إرادتكم، واصبروا على عبادة آلهتكم، وقال القفال: هذه عبارة تذكر للتحذير والتخويف.
وقيل في معنى الآية: إِنَّ هذا الذي يدَّعيه من أَمر التوحيد أو يقصده من أَمر الرِّياسة والترفُّع على العرب والعجم لشئ يُتَمنَّى أَو يريده كل أَحد، ولكن لا يكون لكلٍّ ما يتمناه أو يريده فاصبروا.
والمعنى: ليس غرضه من هذا القول تقرير الدين، وإنما غرضه أن يستولي علينا، ونكون له أَتباعًا، فيتحكم في أموالنا وأولادنا بما يريد فاحذروا أن تطيعوه.