وإذا كنت قد عرفت أن توقيت الرضاع بحولين كاملين، الغرض منه قطع النزاع بين الزوجين، وأنه بيان لأقصى مدة الرضاع، عند اعتدال صحة الطفل، وأنه يجوز إنقاصهما إلى ما دون ذلك عند اتفاق الزوجين، واستعداد صحة الطفل للفطام قبلهما - فإنك - حينئذ - تعرف الحكمة في قوله تعالى: ﴿وَحَمْلُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا … ﴾ (١).
فإننا إذا اعتبرنا الحمل تسعة أشهر - أو عامًا، كما يحدث في بعض الحالات - فإن مدة الرضاع - في سورة الأَحقاف - تنقص عن حولين كاملين، لأننا إذا نقصنا تسعة أشهر من الثلاثين شهرًا، كان الباقي للرضاع ثمانية عشر شهرًا: أي سنة ونصفا، وذلك شاهد بصحة ما قلناه - من أن تحديد المدة بحولين - لبيان أَقصى مدة للرضاع، كما أنه لقطع النزاع بين الزوجين، وليس للتحديد الملزم.
ولهذا قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ وسيأتي الكلام عليه.
وقد دلت الآية: على أن الحرمة بالرضاعة، لا تثبت إلا بالإرضاع أثناءَ الحولين، فتجعل للرضيع فيهما حرمة النسب، وهذا هو الصحيح.
ومن العلماءِ من أثبت الحرمة بالرضاع بعد الحولين إلى شهر، وقيل: إلى شهرين. وقيل: إلى ثلاثة. وقيل: إلى ستة أشهر. وكل ذلك ضعيف لمخالفته نص الآية، ولحديث مالك في الموطأ:"لا رضاع إلا ما كان في الحولين". قال تعالى:
المراد بالمولود له: الأب، فإن الولد يولد له، ولم يعبر بالأب مع أنه أخصر: للدلالة على علة الوجوب مع ما فيه من معنى الانتساب، الذي تشير إليه اللام. ورزقهن: نفقتهن.
وقد أوجبت الآية على الوالد أن ينفق على أُمِّ رضيعِهِ ويكسوَها، سواء أكانت زوجة له أم مطلقة منه، وذلك أجرة لها على إرضاع ولدهما. بهذا قال الشافعي.