من الغرض الصحيح والحكمة البالغة، ولكن خلقناها جميعًا للحق المبين، وذلك بأن أنشأْنا فيها نفوسا وأودعناها العقل والتمييز، ومنحناها التمكين، وأبعدنا عنها العلل، وعرضناها للمنافع العظيمة بالتكليف بعد أن أرسلنا إليها الرسل حتى لا تكون لهم حجة على الله، وأعددنا لها عاقبة وجزاء، حسب أعمالها. ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: خلقها باطلا وعبثا هو ما يظنه هؤلاء الكفار. في حين أنهم يقرون ويعترفون أن الله هو خالق السموات والأرض مصداقًا لقوله - تعالى -: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ لأن إنكارهم البعث والثواب والعقاب يؤدى إلى أنهما خلقت عبثًا، وأن هذا الخلق قد خلا من الحكمة، ومن جحد الحكمة في خلق العالم فقد سفَّه الخالق وظهر منه أنه لا يعرفه ولا يقدره حق قدره، فكأنه غير مقر بذلك ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ أي: فعذاب شديد وهلاك يأتيهم من قبل النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت لهم بسبب كفرهم.
بعد أن قرر - جل شأنه - أمر البعث والحساب بما مر من نفي خلق العالم عبثًا انتقل - سبحانه - إلى تقرير ذلك وتحقيقه بإنكار التسوية بين الصالحين والمفسدين، أي: بل أنجعل المؤمنين المصلحين كالكفرة الذين يعيشون في الأرض فسادا؟ أنقصر وجودهم جميعًا على الحياة الدنيا دون بعث أو حساب؟ إن التسوية بينهما تنافى الحكمة وتخالف العدل .... فيتعين إذًا البعث، والجزاء لرفع المصلحين إلى الدرجات العلى ورد المفسدين المضلين إلى الدركات السفلى في جهنم وساءَت مصيرا.
ثم جاء قوله - تعالى -: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ انتقالا إلى ما هو أظهر وأوضح في استحالة التسوية بين الفريقين المذكورين، أي: بل أنجعل المتقين كأولئك الذين انبعثوا وانطلقوا في المعاصي لا يردهم وازع من نفوسهم ولا خوف من ربهم؟ أيسوى الله بينهم دون جزاء حسن لمن اتقى، وعذاب مقيم لمن كفر وفجر، إن التسوية بين الفريقين أمر تأْباه الحكمة وينافى العدل. ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾.