الآية وصف للجنس بحال بعض أفراده كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ (١).
واستظهر أبو حيان أن المراد بالإنسان جنس الكافر. وقيل: المراد به معين وهو عتبة ابن ربيعة، وأبو جهل، أي: وإذا مس الكافر بلاءٌ ونزلت به شدة دعا ربه راجعا إليه، منصرفا عما كان يدعوه من دون الله في حال الرخاء لعلمه أنه بمعزل عن القدرة على كشف ضره.
﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: إذا أعطاه نعمة عظيمة من لدنه أذهبت عنه شدته، وأعادت إليه رخاءه، نسى الضر الذي كان يدعو الله إلى إزالته وكشفه. أو نسى الدعاء الذي كان يتضرع به من قبل التخويل والإعطاء. (فما) واقعة على الضر أو على الدعاء الذي كان يتضرع به. ويجوز أن يراد من لفظ (ما) في قوله: ﴿نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾ أن يراد بها الله - تعالى - كما في قول ﷾: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ وقوله: ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ أي: نسى ربه الذي كان يدعوه متضرعا إلى كشفه.
﴿وجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾: وجعل لله أمثالا وشركاء في العبادة في حال العافية.
﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا﴾ أي: قل يا محمَّد تهديدا لذلك الذي جعل لله أندادا: تمتع بكفرك تمتعًا قليلًا أو زمانا قليلًا في الدنيا ﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ أي: ملازميها والمعذبين فيها على الدوام. والجملة تعليل لقلة التمتع. وفيه من الإقناط من النجاة وذم الكفر ما لا يخفى. كأنه قيل: قد أبيت ما أُمرت به من الإيمان والطاعة. فاستمتع بهذا الكفر الذي أنت فيه تمتعًا قليلًا لا ينجيك من عذاب الآخرة فمتاع الدنيا قليل.