بين - سبحانه - بهذه الآية أن المؤمن ليس كالكافر الذي مضى ذكره فلا يستويان عند الله
"وأم" المدغمة إما متصلة قد حذف قبلها ما يقابل ما بعدها ثقة بدلالة مساق الكلام عليه. كأنه قيل له تأكيدا للتهديد وتهكما به: أأنت أيها الكافر الذي تدعو ربك في الضراء وتنساه في السراء أحسن حالا ومآبا، أم الذي هو قانت يقوم بمواجب الطاعات، ويداوم على وظائف العبادات في ساعات الليل التي فيها العبادات أقرب إلى القبول، وأبعد عن الرياء، ويدعو في حالتى السراء والضراء ﴿سَاجِدًا وَقَائِمًا﴾) أي: جامعا بين الوصفين المحمودين. وتقديم السجود على القيام لأنه أدخل في العبادة لحديث:"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد".
﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾: استئناف وقع جوابا عما نشأ من حكايته حاله، فكأنه قيل: ما باله يفعل هذا؟ فقيل: يحذر الآخرة. أي: عذاب الآخرة ﴿وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّه﴾ فينجو بذلك مما يحذر، ويفوز بما يرجوه وهو الجنة كما ينبئ عنه التعرض لعنوان الربوبية. مع الإضافة إلى ضمير الراجى. وجواب هذا الاستفهام أن المطيع هو الأحسن حالا ومآلا.
وإما أن تكون (أم) منقطعة وما فيها من الإضراب الانتقالي من التهديد بقوله تعالى: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾) إلى التبكيت بتكليف الجواب الملجئ إلى الاعتراف بما بينهما من التباين البين كأنه قيل: بل الذى قانت من أصحاب الجنة.
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي: قل لهم يا محمَّد - بيانا للحق وتنبيها على شرف العلم والعمل -: هل يستوي الذين يعلمون حقائق الأحوال فيعملون بمقتضى علمهم كالقانت المذكور، والذين لا يعلمون ما ذكر فلا يعلمون؟ كلا لا يستوون والاستفهام للتنبيه على كون الأولين في أعلى مدارج الكمال. وكون الآخرين في أقصى مدارج البشر.