هذه الآية مرتبطة بما قبلها، فقد ذكر القرآن في الآيات السابقة أن الله خالق كل شيء، ثم بين بعض آلائه ونعمه على خلقه حيث جعل لهم الأرض قرارا، والسماء بناء، وصورهم فأحسن صورهم، ورزقهم من الطيبات، ثم ذكر بعض صفاته الجليلة وأنه حى لا إله إلا هو، فتوجهوا إليه وحده بالعبادة والحمد، فالحمد كله حق ثابت ومقرر لله رب العالمين.
وجاءت هذه الآية لتبين أن الله المتصف بهذه الكمالات أمر رسوله أن يبلِّغ الناس أنه نهى عن عبادة غير الله الذي سبقت صفاته وأمرَ أن ينقادوا ويخلصوا لله رب العالمين فقال:
أي: قل يا محمد لهؤلاء الشركين وكانوا قد دعوه إلى دين آبائه - قل لهم يا محمد -: نهانى الله الحى القيوم الذي لا إله غيره عن أن أعبُدَ غير الله، وأمرت أن أَذل وأخضع وأنقاد له - تعالى - وأُخلص له ﷿ دينى لأنه رب العوالم كلها المستحق وحده للعبادة دون سواه.
الله وحده الذي خلقكم من تراب، ثم من مَنِيٍّ، ثم من قطعة عالقة بجدار الرحم فيها الخطوط الأُولى للتخليق، ثم يخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالا، ثم ينسأ أعماركم ويؤخرها لتبلغوا أشدكم من الكمال والقوة، ثم يمد في آجالكم لتكونوا شيوخا، هو وحده الذي يقلبكم في هذه الأطوار، وعن أمره وتدبيره يكون ذلك كله.
﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل الشيخوخة بعد بلوغ الأَشد أو قبله.
جعلكم الله على هذا النظام وخلقكم على هذا النمط لتبلغوا، وقتا مسمى عنده وهو يوم البعث، وقيل: يوم الموت ولكى تعقلوا ما في هذا التنقل في الأطوار المختلفة من فنون الحِكَم والعِبر والدلالة على أنه - تعالى - قادر على بعثكم، وقال القرطبي:
﴿وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ذلك فتعلموا أنه لا إله غيره.