وقد كرر التمثيل، رعاية لتفننهم في فنون النفاق، وتنقلهم فيه من حال، إلى حال، وذلك جدير بأَن تعدد فيه الأمثال، وقد جئ بحرف العطف ﴿أوْ﴾ بين التمثيلين، لإفادة تساوى القصتين في ان يكونا مئلا لحالهم انفرادا أو اجتماعا، فـ ﴿أوْ﴾ هنا، مثلها في قولك: جالس الحسن أو ابن سيرين. أي جالس أحدهما أوكليهما، فهما سواء في الإفادة.
وكأن سائلا قال: كيف حالهم عند سماع الرعد؟. فأُجيب ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾. والأَصابع مجاز عن الأنامل. فهو من باب التعبير عن الجزء باسم الكل، مبالغة، في إعراضهم عن قبول ما جاء به النبي ﷺ، فهم يحذرونه كما يحذر الخائف من الصواعق، فيسد أذنيه بأنامله حتى لا يسمعها؛ خشية أن يموت من شدة الصوت الذي يصحبها.
﴿وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾: انذار لهم بأنهم لن يفلتوا من عذابه، أي لا يفونونه، كما لا يفوت الشخص من أحاط به من جميع جهاته.
هذا كلام مستأنف لبيان حالهم عندما يرون البرق، كأن سائلا قال: وما حالهم عند البرقَ فأجيب: ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ أَي بذهبها ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ﴾ أَي مشوا فى ضوئه. وسرعان ما يزول الضوء، فيقولون في حيرتهم، وهذا معنى قوله:
﴿وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾: أي وقفوا حائرين. ﴿وَلَو شَاء اللهُ لَذَهَبَ بِسَمعِهِم﴾ عند قصف الرعد ﴿وَأبْصَارِهِمْ﴾ عند وميض البرق، وإنما وحد السمع وجمع الابصار، لأن السمع في الأصل مصدر، والمصادر لا تثنى ولا تجمع، كما قاله صاحب الإرشاد: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، فهو الفاعل المختار، يقول للشئ كن فيكون.