الغرض من الَابتين: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾ إلى ﴿قَدِيرٌ﴾، تمثيل حال المنافقين من الحيرة والتردد، بين مُضِيٍّ في الإسلام وإِحجام عنه، بحال من أمطرته السماء في ليلة مظلمة مع رعد قاصف وبرق خاطف فتحير بين إقدام حين يلمع البرق، وبيق إحجام حين يسمع الرعد ويشتد علبه الظلام، والمطر في كلتا الحالتين فوق رأسه ينهمر، فما أَروع هذا التمثيل.
ويمكن جعله من باب التشيه المفرق فيشبه القرآن- الذي تعبدهم الله به وسائر ما آتاهم من المعارف التي هي سبب الحياة الأبدية - بالصيب أي المطر الذي به حياة الأرض. ويشبه ما أحاط بهم من التردد والحيرة والشكوك بالظلمات، ويشبه وعد القرآن ووعيده بالرعد، وما فيه من الآيات الباهرة بالبرق، وتَصَامُّهم عما يسمعون من الوعيد بحال من يهوله الرعد فيخاف صواعقه فيسد أُذنيه عنها مع أنهم لاخلاص لهم منها، وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ و. اهتزازهم لما يلمع لهم من رُشدٍ يُدركونه، أو رفد تطمح إليه أَبصارهم بمشيهم في مكان ضوء البرق حين يضيءُ، وتحيرهم في الأمر وتوقفهم فيه حين تعرض لهم شبهة أو مصيبة - بتوقفهم إذا أظلم عليهم البرق.
ونبه ﷾ بقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ على أنه تعالى جعل لهم السمع والأبصاو ليتوسلوا بها إِلى الهدى والفلاح. ولكنهم صرفوها إلى الحظوظ العاجلة وأوْصدوها عن الفوائد ولآجلة، ولو شاء الله لجعلهم بالحالة التي آثروها لأنفسهم، وهي اضاعة فائدة السمع والبصر فإنه على ما يشاء قدير، ولكنه لم يفعل، لعلهم يعتبرون فيدركوا.