افتتاح بعض سوره بذلك، لبثِّ الانتباه، وللتدليل على إعجاز القرآن بأنه مؤلف من كلمات ذات حروف مما تنظمون منه كلامكم، وقد عجزتم عن الإتيان بمثله، ومحمد مثلكم، وذلك دليل على أنه من عند الله، وقد تقدم الكلام على مثل هذه الحروف موسعًا في أول سورتي البقرة وآل عمران فارجع إليه إن شئت.
٢ - ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾:
أَي: هذا القرآن الكريم منزل من الله الرحمن الرحيم، وإضافة التنزيل إلى الرحمن الرحيم من بين أَسمائه - تعالى - الإيذان بأن ما فيه من تشريع وخير للبشرية ومصالح دينية ودنيوية واقع بمقتضى الرحمة الربانية.
أي: القرآن كتاب ميزت آياته، لفظًا بفواصلها ومقاطعها، وأوائل السور وخواتمها، ومُيِّزتْ معنًى بما فيها من وعد ووعيد، وشرائع وعقائد، وقصص وأخلاق وعلوم. ومن أنصف عَلِمَ أنه ليسَ في الكتب كتاب اجتمع فيه من العلوم والمعارف المتنوعة مثل ما في القرآن وقال سفيان: فصلت بالثواب والعقاب، وما ذكرنا أَولا أعم، ولعل ما ذكره من باب التمثيل لا الحصر وقيل: ﴿فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ في التنزيل، أَي: لم ينزل جملة واحدة، وقرئَ (فَصَلَتْ) بفتح الفاء والصاد مخففة، أَي: فرقت بين الحق والباطل.
وقال ابن زيد: فصلت بين النبي ﷺ وبين من خالفه.
﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ أَي: مقرؤًا باللسان العربي، وفيه امتنان بسهولة قراءته وفهمه لنزوله بلسان من نزل بين أظهرهم.
﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أَي: لقوم عرب يعلمون ما نزل عليهم من الآيات المفصلة المبينة بلسانهم العربي المبين، لا يلتبس عليهم شيء منه، ولو كان غير عربي لما علموه.
﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ صفتان لقوله: ﴿قُرْآنًا﴾ أَي: تارة يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أَن لهم أَجرًا حسنًا، وتارة ينذر الكافرين والمخالفين بما أعد لهم من عذاب أليم وعقاب شديد،