﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ﴾ أَي: انصرفوا عن تدبره وقبوله، والإصغاء إليه واتباعه، فلم ينتفعوا به ﴿فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ القرآن سماع تدبر وإمعان، وقد جُعلوا لإعراضهم عنه غير سامعين له على سبيل المجاز.
وقال الكافرون لرسول الله: ﴿قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ أَي: قلوبنا في أغطية متكاثفة لا ينفذ إِليها شيء مما تدعوننا إليه من الإيمان باللهِ وحده وترك ما ألفينا عليه آباءنا من عبادة الأَوثان ﴿وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ﴾ أَي: وفي آذاننا صمم فلا نسمع ما تعرضه علينا. ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ أَي: ومن بيننا وبينك حجاب منيع وساتر غليظ، يمنعنا من قبول ما جئتنا به، ومن التواصل بيننا وبينك، وهو الخلاف في الدين، لأنهم يعبدون الأصنام، وهو يعبد الله ﷿.
و (مِنْ) في قوله - تعالى -: ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ للدلالة على أن الحجاب مبتدئ من الجانبين بحيث استوعب ما بينهما من المسافة المتوسطة، ولم يبق فراغ أَصلا.
قال الآلوسي: وما حكاه الله عنهم في الجمل الثلاث: ﴿قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ تمثيلات لنبوّ قلوبهم عن إدراك الحق وقبوله، وطرد أسماعهم له، وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول ﷺ.
وذكر أبو حيان: أنه لما كان القلب محل المعرفة، والسمع والبصر معينين على تحصيل المعارف، ذكروا أن هذه الثلاثة محجوبة عن أن يصل إليها شيء مما يدعو إليه الرسول ﴿فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ أَي: فَاعمل على دينك، أو في إِبطال أَمرنا، إِننا عاملون على ديننا، أو عاملون في إبطال أَمرك، والكلام على الأَول متاركة وتقنيط عن اتباعه، وعلى الثاني مبارزة بالخلاف والتحدِّى.