للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولذا، روى عن ابن عباس: أنهم كانوا أربعين ألفًا، كما في بعض الروايات عنه. وكان خروجهم بهذه الكثرة، خوفًا من الموت، حذرًا منه، مع أن الحذر لا يمنع القدر، فإذا جاءَ أجلهم معًا - أو متفرقين - لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون.

ويرى بعض المفسرين: أَن هذه الآية الكريمة: تنبئنا عن قوم من بني إسرائيل، دُعوا إلى الجهاد في سبيل الله، فخرجوا من ديارهم فرارًا منه، حتى لا يموتوا - مع أنهم كانوا أُلوفا، فلا ينبغي لهم أن يفروا - لأن من عادتهم أن يجبنوا عن القتال، كما حدث عندما أمرهم موسى بقتال الجبارين، فقالوا له: ﴿اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ﴾ (١). فأماتهم الله جميعًا، عقابًا لهم على فرارهم، ثم أحياهم ليبين لهم قدرة الله عليهم، وأنه لا ينفعهم الفرار من القتال، إن كان الموت فيه مكتوبًا عليهم، فقد يموت المرءُ بدون قتال كما حدث لهم.

ويقول صاحب هذا الرأي: إنه - تعالى - بعد أن أحياهم، أمرهم بالجهاد بقوله لهم: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ (٢) لعلهم يعتبرون بذلك، فيخلصوا في الجهاد.

وقال ابن عطية منكرًا لهذا وأمثاله من القصص: وهذا القصص كله لين الأسانيد. وإنما اللازم من الآية أن الله - تعالى - أخبر نبيه محمدًا إخبارًا في عبارة التنبيه والتوقيف، عن قوم من البشر، خرجوا من ديارهم فرارًا من الموت، فأماتهم الله ثم أحياهم ليروا - هم وكل من خَلَفَ من بعدهم - أن الإماتة إنما هي بيد الله - تعالى - لا بيد غيره، فلا معنى لخوف خائف ولا لاغترار مغتر. وقد جعل الله هذه الآية مقدمة بين يدي أمره للمؤمنين من أُمة محمد بالجهاد. هذا قول الطبري. وهو ظاهر معنى الآية.


(١) المائدة: ٢٤
(٢) البقرة: ٢٤٤