ويرى الشيخ محمد عبده: أن هذا مَثَلٌ لا قصة واقعية، وأن الموت هنا مجازي.
وخلاصة رأيه: أن هؤلاءِ القوم فروا أمام أعدائهم دون قتال، وتركوا أوطانهم غنيمة للأعداءِ، فعاشواء أذلاءَ مشردين، في حياة أشبه بالموت. فلما عرفوا جنايتهم على أنفسهم - عادو إلى جهاد أعدائهم، وتحرير أوطانهم، فاستردُّوا كرامتهم، وعاشوا حياة كريمة جديرة بالمجاهدين الأبطال.
ويرى آخرون: أنها تتحدث عن قوم نزل ببلادهم وباءُ الطاعون، فعمها بأَسباب الموت، فظنوا أن فرارهم من هذا الوباءِ، سيكفل لهم النجاة من الموت، فأَماتهم الله عقابًا لهم، فلكل أجل عن الله كتاب وقدر. وقد فاتهم أنهم سينقلون معهم وباء الطاعون، إلى بلاد خالية منه. وتلك جريمة أُخرى. وفي هذا يقول الرسول ﷺ:"إن هذا السُّقم، عُذِّب به الأُمم قبلكم، فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع - بأرض وأنتم فيها - فلا تخرجوا فرارًا منه … " إلخ. أخرجه الإمام أحمد عن عمر. ولِلشَّيخين نحْوهُ.
وهذا الإرشاد منه ﷺ مطابق لأحدث النظم الصحية، وهو ما يعرف اليوم بالحجر الصحي.
والتعبير بقوله - تعالى -: ﴿فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾: إما على ظاهره، وإما مجاز عن تعليق إرادة الله تعالى بموتهم دفعة واحدة.
وقيل: هو تمثيل لإماتتهم ميتة نفس واحدة، في أسرع زمان، بأمر مطاع لمأمور مطيع. والله يعلم مقدار المدة التي ظلوا فيها أمواتًا. ولكنها لابد متراخية فترة عن إماتتهم، كما يوحي به العطف بثم في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾: أي ثم أعادهم الله إلى الحياة مرة أُخرى، بعد فترة موت، ليستوفوا آجالهم، وليؤمنوا بقضاء الله وقدره، وليكونوا عبرة يعتبرون بها هم وغيرهم، وليظهر فضل الله الذي عبر عنه قوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ﴾:
بما أَنعم به عليهم من نعمة الخلق، ونعمة البقاء والرزق، وبما يريهم من الآيات الباهرة، والحجج القاطعة، التي تنفعهم في دينهم.