للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنك لترى الأمر بالجهاد منثورًا في هذه السورة، ضمن آيات الأحكام، مذكرًا به من آن لآخر، لأنه من أشق التكاليف، وعليه يدور بقاءُ هذا الدين، الذي يتربص به أعداؤُه. فلو لم يجاهدوهم لهلكوا، وضاع دينهم.

وقد بدأَ الحديث عن الجهاد - في هذه السورة - بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَآءٌ﴾ (١) حتى وصل إلى هذا التكليف الكريم، ثم ينتهي في آخر السورة: بالحث على الإنفاق في سبيله.

والخطاب هنا، لأُمة محمد .

والجهاد في سبيل الله: هو ما كان لإعلاء كلمة الله، فلا يكون الجهاد في سبيل الله، إلا إذا كان همُّ المقاتل ومقصده - إحياء دينه ونشره والدفاع عنه. فإن لم تكن تلك نيته، فإنما يقاتل لأمر دنيوي. ومن كان كذلك، لا يحصل على الثواب العظيم: الذي أعده الله لمن يجاهدون في سبيله.

وفي مضمون الآية الكريمة: تحذير لكل مسلم من أن يجبن عن القتالِ حذر الموت، بقوله:

﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾:

فإن الموت قدر لابد منه. قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ (٢). إذ الموت أجل يبلغه المرءُ فيموت: سواءٌ أكان على فراشه، أم كان في حرب ضروس.

كما أن فيها رمزًا إلى وعدهم بحسن الجزاء. وكأَنه يقول: واعلموا أنه سميع عليم، فلا يخفى عليه مجاهد أو قاعد. فمن قعد عنه، عوقب أشد العقاب. ومن جاهد، جوزي أعظم الجزاء.

ثم حرَّضهم على الإنفاق في سبيل الله بأموالهم، بعد أن أمرهم ببذل أنفسهم، فقال:

٢٤٥ - ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً … ﴾ الآية.


(١) البقرة: ١٥٦
(٢) الجمعة: ٨