للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذه الآية شروع في بيان أحوال أهل الكتاب بعد الإشارة الإجمالية إلى أحوال أهل الشرك، قال ابن عباس : هم اليهود والنصارى لقوله - تعالى -: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ (١).

والمعنى: وما تفرق الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى في الدين الذي دعوا إليه في حال من الأحوال أَو في وقت من الأوقات إلا من بعد ما جاءَهم العلم بحقيته بما شاهدوا في رسول الله والقرآن من دلائل الحقية حسبما وجدوه في كتبهم - وهذا ما ذهب إليه العلامة أبو السعود - وقال الآلوسي: وما تفرق أُمم الأنبياء بعد وفاة أنبيائهم منذ بعث نوح في الدين الذي دعوا إليه - ما تفرقوا في وقت من الأوقات - إلا من بعد ما جاءَ العلم من أنبيائهم بأن الفُرْقة ضلال وفساد وأمر متوعَّد عليه، وهذا يؤيد ما دل عليه سابقًا من أن الأُمم القديمة والحديثة أُمروا باتفاق الكلمة، وإقامة الدين.

ويضعف هذا الرأى أن مشاهير الأُمم السابقة قد أصابهم عذاب الاستئصال من غير إنظار وإمهال، وأن مساق النظم الكريم لبيان أحوال هذه الأُمة، وإنما ذكر من ذكر من الأَنبياء - عليهم الصلاة والسلام - لتحقيق أن ما شرع لهؤلاء المكذبين دين قديم أَجمع عليه أولئك الأعلام تأْكيدا لوجوب إقامته، وتشديدا للزجر عن التفرق والاختلاف فيه، ومهما يكن القول في التفرق فإنه لم يكن صادرا منهم عن حقيقة، ولا قائما على رأْى، وإنما كان بغيا وظلما وعداوة وحسدا نابعًا من طلب الدنيا والحرص على الرياسة ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾ أي: ولولا قضاء قضى به الله، وَعِدَة سبقت منه - جل شأْنه - بتأخير العقوبة (إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو يوم القيامة أو آخر أعمارهم (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي: لوقع العقاب باستئصال المبطلين منهم، لعظم ما اقترفوه واستيجاب جناياتهم لذلك.

(وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) أي: وإن المشركين الذين أُورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب كتبهم لفى شك من القرآن مدخل


(١) سورة البينة الآية: ٤.