والمعنى: الله لطيف بعباده، أي: برٌّ بليغ البر بعباده رفيق بهم يفيض عليهم من فنون ألطافه، وصنوف آلائه ما لا تبلغه الأفهام. قال حجة الإِسلام - عليه الرحمة: إنما يستحق هذا الاسم من يعلم دقائق المصالح وغوامضها، وما دق منها ولطف ثم يسلك في إيصالها إلى المستصلح سبيل الرفق دون العنف، فإذا اجتمع الرفق في الفعل، واللطف في الإدراك تم معنى اللطيف، ولا يتصور كمال ذلك إلا في الله - تعالى - والقصود بالعباد جميع خلقه لإضافة العباد - وهو جمع - إلى ضميره - تعالى - فيفيد الشمول والعموم، ومعنى قوله - تعالى -: (يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ): يجرى رزقه على من يشاءُ بما شاء من أنواع الرزق فيخص كلا من عباده بنوع من البر على ما تقتضيه مشيئته وحكمته، وهو القوى القادر الذي لا يعجز، العزيز المنيع الغالب الذي لا يقهر. والتذييل بالاسمين الجليلين مؤذن بالتعليل، كأَنه قيل: لطيف بعباده عظيم الإحسان بهم؛ لأنه - تعالى - القوى الباهر القدرة الذي غلبت قدرته جميع القدر، يرزق من يشاءُ؛ لأنه العزيز الذي لا يغلب.
أي: من كان طلب من المكلفين بأعماله ثواب الآخرة، ويرجو رحمة الله وحسن جزائه يوم القيامة يضاعف الله له ثوابه بالواحد عشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أكثر من ذلك لمن يشاء، ومن كان يطلب بأعماله الدنيا ويجرى وراء متاعها وزخرفها لا يريد غير ذلك يؤته من ذلك حسبما قسم الله له وقدر في الدنيا ولا حَظَّ له في الآخرة، وما له فيها من أجر ولا ثواب؛ لأنه أفرغ همه، وقصر جهده على طلب الدنيا، وفي هذا التوجيه حث على إخلاص النوايا، إذ الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.
ولم تشر الآية إلى أَن لطالب الآخرة نصيبا في الدنيا على نحو ما ذكر لطالب الدنيا للتنويه بعظم أجره في الآخرة والاستهانة بما يناله في الدنيا مهما عظم بجانب ثواب الآخرة.