للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلى الدنيا، وهي في مقابلة قوله - تعالى -: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا) لتدلَّ على أَنهم في شرع يخالف ما شرعه الله - تعالى - من كل وجه: حيث قابلوا إقامة الدين في قوله - تعالى -: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) بالشرك، والإشفاق من يوم القيامة باستعجال الساعة، وطلب الآخرة بالعمل للدنيا.

والمعنى: بل ألهؤلاء الكفار والمشركين من أهل مكة شركاء من الشياطين سوَّلوا لهم من الدين وسنوا ما لم يأْذن ويأْمر به الله - تعالى - كالشرك وإنكار البعث فاتخذوه دينا لهم ومنهجا ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ أي: ولولا أَن الله قضى وحكم بتأْخير العذاب في هذه الأُمة إلى أجل مسمى هو يوم القيامة لوقع العذاب في الدنيا على الذين يكذبونك، ولفصل الله بين المشركين والمؤمنين فهلك من هلك عن بيَّنة وحيّ من حىَّ عن بيَّنة، أو لفصل بين المشركين وشركائهم من الشياطين والأصنام بما يقضى به الله فيهم.

وبما أن شركاءهم من الشياطين حرضوهم على الشرك وشرعوه لهم ولم يأْذن به الله، فيكون الاستفهام الإنكارى الذي تضمنه لفظ (أَم) مرادًا منه إنكار هذا الواقع وتوبيخهم عليه.

(وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أَي: وإن لهؤلاء المشركين الذين يستوحون دينهم من شياطينهم، لهم عذاب موجع بالغ غاية الإيلام والإيجاع في الآخرة.

هذا، وإسناد الشرع إلى الشركاءِ لأَنهم سبب ضلالهم وفتنتهم كقوله - تعالى -: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ (١). وتسمية ما شرعوه دينا للتهكم والسخرية، والتعبير بالظالمين عن ضميرهم للإشارة إلى أنهم - بشركهم - تجاوزوا حدّ الاعتدال فظلموا أنفسهم بالشرك، ظلموا المؤمنين بمعارضتهم، وظلموا دين الله بالافتراء عليه - وإنكار أحكامه العادلة، ومنهجه القويم، وإن الشرك لظلم عظيم.

٢٢ - ﴿تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾:


(١) سورة إبراهيم: من الآية ٣٦.