هذه الآية كلام مستأنف يعرض مشهدا من أحوال الناس يوم القيامة، والخطاب فيه لكل أحد يصلح لتلقى الخطاب، قصدا إلى المبالغة في عرض سوءِ حال الظالمين، وجمال نعيم المؤمنين.
والمعنى: ترى يا من يصح منه أن يرى. ترى الظالمين الذين كانوا متجبِّرين في الدنيا يرفلون في الترف والنعيم - تراهم - يوم القيامة أذلاء صاغرين مشفقين أشد الإشفاق خائفين غاية الخوف من جزاء وعذاب ما كسبوا من المعاصي واقترفوا من المظالم والمآثم وهو واقع بهم لا محالة لا ينجيهم منه خوف ولا يعفيهم إشفاق فإن يوم الجزاء لا يُنجى منه خوف، ولا إشفاق من الكافرين الظالمين.
آمنون مستقرون في أطيب بقاع الجنات، وأعْلى منازلها وأنزه ملاذها دانية عليهم ظلالها، مُذَلَّلَة قطوفها، لهم ما يشتهون من فنون الملذات عند ربهم، فلا ينتهى فيها نعيم، ولا ينقصه وافر العطاء.
(ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ): أي ذلك الشأن الذي يعيشون، والنعيم الذي يتنعمه أَهل الجنة البالغ أعلى الدرجات في السموِّ والراحة، هو الفضل الذي لا يقادر قدره، ولا يبلغ أحد وصفه.
الكلام في هذه الآية موصول بالكلام عن الفضل الكبير المذكور في الآية قبلها.
والمعنى: ذلك الفضل المتناهى في الكبر المتعاظم في العلو هو الذي يبشر الله به عباده الذين أخلصوا الإيمان، وأكثروا عمل الصالحات وداوموا عليها، يبشرهم بذلك الفضل استعجالا لسرورهم في الدنيا.
روى أن المشركين اجتمعوا في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أترون محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا؟، فنزل قوله - تعالى -: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا