للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالاستغفار توبة الكذّابين، وتوبتك هذه تحتاج إلى توبة، فقال: يا أَمير المؤمنين، وما التوبة؟ قال: اسم يقع على ستة معان: على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضييع الفرائض الإعادة، وردّ المظالم، وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية، وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاءُ بدل كل ضحك ضَحِكته.

(وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) أي: يتجاوز عن جميع السيئات الكبائر والصغائر، وقيل: يعفو عن الكبائر، وعن الصغائر باجتناب الكبائر (وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) أي: ويعلم كل ما تفعلونه كائنا ما كان، سرا أَو جهرا كبيرا أَو صغيرا خيرا أو شرا فيجازى بما شاءَ ويتجاوز عما يشاءُ حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكمة.

(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ): يختص الله - تعالى - في هذه الآية الذين آمنوا وعملوا الصالحات بمزيد من الفضل تقديرا لأعمالهم، وبعثا لهممهم، واستجلابا لغيرهم في استباق الخيرات، والمبادرة إلى الصلوات، والكلام في قوله - تعالى -: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) على حذف اللام، أَي: يستجيب لهم كما في قوله - تعالى -: ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ﴾ (١) أي: كالوا لهم.

والمعنى: ويستجيب الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات دعاءَهم ويثبتهم على طاعتهم ويزيدهم على الثواب تفضلا، فإن الطاعة لا يترتب عليها من الثواب شابهت الدعاءَ والطلب، وشابهت الإثابةُ والجزاءُ عليها الإجابة.

وجعلوا من ذلك قوله : "أفضل الدعاء الحمدُ"، وسئل سفيان عن قوله في الحديث: "أكبرُ دعائى ودعاءِ الأنبياء قبلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قديرٌ" فقال: هذا قوله - تعالى - في الحديث القدسى: "مَنْ شغلهُ ذكرى عن مسألتى أعطيته أفضلَ ما أُعطِى السائلين" وقيل الاستجابة فعلهم أَي: يستجيبون لله بالطاعة إذا دعاهم إليها، وعن إبراهيم بن أدهم - لما قيل له: ما بالُنا ندعُو فلا نُجَاب؟ قال: لأنه دعاكم فلم تُجيبوه، ثم قرأ ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (٢).


(١) سورة المطففين من الآية ٣.
(٢) سورة يونس، الآية: ٢٥.